للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاف، فكان ذلك سببًا من أسباب ارتفاع تلك الصخرة، وكلهم دعا كما هو معلوم في ذلك الحديث، فما أعظم أن يكون الإنسان عفيفًا متجنبًا للمحرمات، مقبلًا على طاعة الله - سبحانه وتعالى -، إن كان كذلك فإنه - بلا شك - أهلٌ أيضًا لأنْ يظله الله - سبحانه وتعالى - في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

ومن بين أولئك "رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه" (١) عندما تكون في مكان خاليًا، فتتذكر الله - سبحانه وتعالى -، فتسيل الدموع على وَجْنتيك، تسيل على خديك، مَا سالت هذه الدموع وأنت ترى أناسًا أمامك تجاملهم أو ربما ترائيهم، لكن ذلك حصل وأنت خَالٍ، ففاضت عيناك، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" (٢)، فإذا بكى الإنسان في خلوته خوفًا من الله - سبحانه وتعالى -، وخشيةً لله - سبحانه وتعالى -، يخشى عذاب الله، ويرجو رحمته وعفوه، فلا شك أنه يكون من أولئك الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.


= الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجةً نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم. وقال الآخر: اللهم إنْ كنت تعلم أني كنت أحب امرأةً من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينارٍ، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدتُ بين رجليها قالت: اتق الله، ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجةً، قال: ففرج عنهم الثلثين. وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا بفرق من ذرة فأعطيته، وأبى ذاك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى اشتريت منه بقرًا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله، أعطني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما أستهزئ بك، ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا، فكشف عنهم".
(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الترمذي (١٦٣٩)، وقال: حسن غريب، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "المشكاة" (٣٨٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>