للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآخر هؤلاء السبعة "ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" (١)، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: ١٣٣، ١٣٤].

وَفي هذا الحديث أيضًا ممن يظله الله - سبحانه وتعالى - في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل أنظر معسرًا، أو وضع عنه ما له عليه من دَيْن، وأنت تجد بعض الناس يملك المال وعليه حقوق للآخرين، لكنه يماطل، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مطل الغني ظلم" (٢)، وآخر لا يملك شيئًا، فتجد أن الدائن يُضيِّق عليه المسالك، يتردد على بيته، يحاصره، يضايقه، ويضايق أولاده، وربما تجد أنه يتعفَّف عن السؤال؛ لأنه لا يجد لقمةَ العيش، أليس مثل هذا بحَاجَةٍ إلى أن ينظره التاجر الذي وهبه الله - سبحانه وتعالى - هذا المال، وزاده فيه بسطةً؟ أليس الذي أعطاك هذا المال قادرًا على أن يسلبه فيغنيه ويفقرك كما رأيتم في أولئك الذين سَأَلَ كل واحدٍ منهم اللهَ تعالى أن يعطيه مالًا، فأعطى كل واحدٍ منهم قطيعًا .. فعلى المسلم أن يراعي هذا.

وما أجمل أن يُنْظر الدائنُ المدينَ المعسر وينتظره، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]، وفوق ذلك وأعظم منه أن يضع عنه الدَّين، لماذا؟ لأنه يريد بذلك وجهَ الله تعالى والدارَ الآخرة، فمَنْ يُخفِّف عن المؤمنين كُرْبتهم، ومَنْ يساعد المدين في دَيْنه، فيؤجل عنه، ولا يضيق عليه، أو يضع عنه ذلك الدَّين، ويبتغي بذلك وجه الله - سبحانه وتعالى -، فالله لا يضيع أجره، كما قال تعالى: {إِلَّا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: ٣٠].


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٨٧)، ومسلم (١٥٦٤) وتتمته: " .. وإذا أتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع".

<<  <  ج: ص:  >  >>