للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ مِنْ نِسْبَةِ الِابْنِ إِلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ التَّبَاعُدَ الَّذِي بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ فِي الْمَرْتَبَةِ أَشَدُّ مِنَ التَّبَاعُدِ الًّذِي بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا شَبَهَ بَيْنَ النِّسْبَتَيْنِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَوْجُودَاتِ نِسْبَةٌ أَشَدُّ تَبَاعُدًا مِنْ هَذِهِ النِّسْبَةِ (أَعْنِي: تَبَاعُدَ طَرَفَيْهِمَا فِي الشَّرَفِ وَالْخِسَّةِ) ضُرِبَ الْمِثَالُ بِهَا (أَعْنِي: نِسْبَةَ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ)).

معلوم أن ابن رشد - رَحِمَهُ اللّه - مُعرِق في الفلسفة، ومُتقن جدًّا لأبواب حجج العقول، وقد أجاد هنا نقد دليل المالكية، فالمراد في الآية الكريمة ذكر الفرق الهائل بين العبد وربه، مما يستحيل معه أن يكون ولدًا له. ولا تعرض في الآية للعبودية بالمعنى الشرعي (الرقّ لآدمي)، وفرق كبير جدًّا بين العبوديتين، كما قرَّر.

* قوله: (وَمَنْ لَحَظَ الْمَحَبَّةَ الَّتِي بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرَّحْمَةَ وَالرَّأْفَةَ وَالشَّفَقَةَ أَجَازَ أَنْ يَقُولَ فِي النَّاسِ إِنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ عَلَى ظَاهِرِ شَرِيعَةِ عِيسَى).

هذا استطراد من المؤلف، يزيد فيه بيان ضعف دليل المالكية؛ فيقول: أنه جاء في شريعة عيسى إطلاق "ابن الله" على مُحِبه، فهذه تسمية مجازية على بعض ظواهر الإنجيل، وليس مفادها البنوة الحقيقية، فبطل دليل المالكية؛ إذا صححنا هذه النسبة: فلان ابن اللّه، يعني: محبّه. أي: فهو مع كونه عبده، يُسمَّى ولده؛ فالولدية بهذا المعنى لا تنافي العبودية، فبطل استدلالهم بالآية (١).


(١) يُنظر: اللّه واحد أو ثلاثة، لمرجان (ص ٣٠ - ٣١) لبيان بعض ما ورد وفهمه؛ قال: وخاطبهم داود قائلًا: "قدموا للرب يا أبناء الله، قدموا للرب مجدًا وعزًّا" (المزمور ٢٩/ ١).
ومثله قوله: "لأنه من في السماء يعادل الرب. من يشبه الرب بين أبناء الله" (المزمور ٨٩/ ٦).
وفي سفر أيوب: "كان ذات يوم أنه جاء بنو اللّه، ليمثلوا أمام الرب" (أيوب ١/ ٦). =

<<  <  ج: ص:  >  >>