للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا تكلم السيد بالكناية لم يقع العتق إِلَّا إذا نوى بها العتق، بخلاف الصريح، وقد تقدم لنا نظير ذلك في الطلاق.

* قوله: (وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: يَا بُنَيَّ، أَوْ قَالَ: يَا أَبِي، أَوْ يَا أُمِّي، فَقَالَ قَوْمٌ وَهُمُ الْجُمْهُورُ: لَا عِتْقَ يَلْزَمُهُ (١)، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ (٢)، وَشَذَّ زُفَرُ فَقَالَ: لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: هَذَا ابْنِي، عُتِقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ عِشْرُونَ سَنَةً وَلِلسَّيِّدِ ثَلَاثُونَ سَنَةً (٣)).

وإنما قال الجمهور ذلك؛ لأن قوله: "يا بني"، أو "يا أبتِ" يمكن أن تُقال من باب الشفقة، فقالوا: لا يقع بها عتق إِلَّا بالنية.

وأما أبو حنيفة؛ فالعتق عنده هنا من باب الإقرار؛ فكأنه أقرَّ على نفسه بنسب من لا يُعلم نسبه، ولذا شرطوا إمكان ذلك؛ فقالوا: "إذا كان يولد مثله لمثله، فإن كان لا يولد مثله لمثله اختلف الحكم، ووجه شذوذ زفر أنه جوَّز ذلك - ولو كان يستحيل أن يكون ابنه - فإن دعوى البلوغ عند


(١) مذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج" للهيتمي (١٠/ ٣٥٧) حيث قال: "وقوله: أنت ابني، أو أبي، أو بنتي، أو أمي، إعتاق إن أمكن من حيث السن، وإن عرف كذبه ونسبه من غيره ويا ابني كناية (، وكذا كل) لفظ (صريح أو كناية للطلاق) أو للظهار هو كناية هنا كما مر مع ما يستثنى منه كاعتد واستبر رحمك للعبد فإنه لغو، وإن نوى العتق لاستحالته".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٤/ ٥١٢) حيث قال: " (أنت ابني أو) أنت (أبي فلا يعتق) بها أي شيء من هذه الكنايات (ما لم ينوِ عتقه)؛ لأن هذه الألفاظ تحتمل العتق وغيره فلا تحمل عليه إِلَّا بالنية".
(٢) يُنظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" (٣/ ٦٤٧ - ٦٤٨) حيث قال: " (قوله: لا يعتق بيا ابني ويا أخي)، أي: بدون نية، وعنه أنه يعتق".
(٣) يُنظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي (٣/ ٦٨) حيث قال: قال - رَحِمَه اللَّهُ -: "وهذا ابني، أو أبي، أو أمي، وهذا مولاي، أو يا مولاي، أو يا حر، أو يا عتيق"، أي: بهذه الألفاظ يقع العتق، وقال زفر - رَحِمَه اللَّهُ -: "لا يعتق بقوله يا مولاي إِلَّا بالنية".

<<  <  ج: ص:  >  >>