للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذه الرواية تدل أيضًا على أن القسامة لها حكم استثنائي، والحاجة تدعو إليه إذا وجد إنسان كالذي وجد في خيبر قتيلًا في بلد يوجد فيها اليهود، وهم أعداء للأنصار كما هو معلوم، وادَّعى أولياء الدم أنهم قتلوه ثم بعد ذلك حصلت الأيمان، فإنه حينئذٍ إما يقام القود على رأي بعض العلماء كما سيأتي، وإما الدية، وهذا أمر قضى به رسول اللّه، لكن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - لم ينفذ الحكم؛ لأن أهل الدعوة أبوا أن يحلفوا، ولم يقبلوا شهادة اليهود، قالوا: قوم كفار فكيف تقبل شهادتهم؟ ولذلك واده (١) رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، أي: دفع ديته من عنده.

ولا ننسى أيضًا أنه مر بنا في مباحث عدة منذ أن بدأنا في كتاب البيع، أن المالكية أحيانًا يقلبون "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" يقلبون ذلك أحيانًا، فيجعلون البينة على المدعى عليه؛ لوجود شبهة، فهل هناك شبهة أقوى مما يتعلق بالقسامة؟.

* قوله: (وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي تِلْكَ الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ، وَإِنَّمَا كانَتْ حُكْمًا جَاهِلِيًّا).

يردُّ ذلك ما جاء في صحيح مسلم أن القسامة كانت في الجاهلية، فأقرَّها رسول اللّه، أي جعلها حكمًا مستقِرًّا ثابتًا من أحكام هذه الشريعة، ولا يضر أنها كانت في الجاهلية، فقد كان القراض أو المضاربة في الجاهلية، ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ضارب بمالٍ لخديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - (٢)، ومروح ذلك بقيت المضاربة، أي: أقرّتها هذه الشريعة، إذن الحكم الجاهلي الذي أقره الإسلام لا نقول عنه إنه حكم جاهلي ولكن نقول إنه حكم إسلامي، ثم جاء ما يثبت ذلك ويقويه، وقضى بها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في قتيل الأنصار الذي قتل بخيبر، وهو عبد اللّه بن سهل.


(١) وديت القتيل: أَدِيهِ (دِيَةً) أعطَيتُ ديتَه. (واتَّدَيْتُ) أَخَذْتُ دِيَتَهُ. انظر: "مختار الصحاح" للرازي (ص ٣٣٥).
(٢) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (٧/ ٩٦) حيث قال: "وقد خرج - صلى الله عليه وسلم - في قراض بمال خديجة - رضي الله عنها -".

<<  <  ج: ص:  >  >>