للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معارضة بالأصول، بل هي نوع من السُّنة، أقرَّها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وقضى بها، فهي لا تتعارض مع أصول هذه الشريعة، ومعلوم أن قضية المعارضة ذكرها بعض العلماء في مسائل كثيرة؛ في أبواب السلم إذ تدفع مالًا لآخر ولا تأخذ منه مقابلًا إِلَّا بعد فترة، وفي الإجارة إذ تدفع الإيجار والمنفعة بَعْدُ لم تنتهِ، وفي الجعالة، وفي المساقاة، وكل ذلك من الأحكام، ومع ذلك قالوا بأنها جاءت على خلاف الأصل، يعني على خلاف القياس، لكنها جاءت بنصوص، إذن هذا على فرض أنها على خلاف القياس، ولكن الصحيح أنه لا يوجد قياس صحيح يعارض نصًّا صحيحًا.

* قوله: (وَزَعَمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ حَوْطَةُ الدِّمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ لَمَّا كَانَ يَكْثُرُ، وَكَانَ يَقِلُّ قِيَامُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ).

أولًا كلمة زعم لا نفهم منها زعم بمعنى الإنكار، وإنما زعم هنا بمعنى ذهب أو رأى، هذا هو مراده وليس المراد هنا أن قوله غير صحيح.

حوطة الدماء معناها الاحتياط لها؛ لأنه كما ذكر الإمام الزُّهري لما قال له عمر بن عبد العزيز: أريد أن أترك القسامة، فذكر له ما ذكرت من الكلام ثم قال له في آخره: إنك إن تركتها أوشك أن يقتل القتيل عند بابك فيطل (١) دمه (٢)، فيذهب دمه هدرًا؛ لأن الناس يسلكون هذه المسألك، ويتخذونها وسيلة وبخاصة أصحاب النفوس المريضة الذين ذهبت خشية الله تعالى من قلوبهم، ولذلك قال له: وإن للناس في القسامة


(١) يطل، أي: يهدر. وأطل دمه، بالضم: أهدر. انظر: "تاج العروس" للزبيدي (٢٩/ ٣٧٨).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنف عن الزُّهري، قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال: إني أريد أن أدع القسامة، يأتي رجل من أرض كذا وكذا، وآخر من أرض كذا وكذا، فيحلفون قال: فقلت له: "ليس ذلك لك، قضى بها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يخفه والخلفاء بعده، وإنك إن تتركها، أوشك رجل أن يقتل عند بابك، فيطل دمه، فإن للناس في القسامة حياة".

<<  <  ج: ص:  >  >>