للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= حتى أقبل سعده بولاية الأمير قيز طوغان الأستادارية في دولة الظاهر جقمق على ما تقدم ذلك في أوائل تاريخنا هذا، فولي نظر الديوان المفرد معه، وكان ذلك أول ظهوره، ثم باشر ذلك أيضا زين الدين بن الكويز فأخذ بعد قيز طوغان يمهّد لنفسه ويؤمّن لها وهو مقتحم على الرياسة، ولا زال حتى استقر في / أستادار واستقلّ بالوظيفة عوضا عن ابن الكويز المذكور وذلك في سنة ست وأربعين على ما عرفته. من يومئذ قام سعده. وأخذ أمره في الازدياد حتى نالته السعادة التامة الوافرة، ووصل إلى ما لم يخطر له على بال، وطال واستطال، وأثرى وجمع الأموال وأنشأ العمائر والأملاك الهائلة، واقتنى نفائس الأشياء والكثير من كل شيء، ما بين مماليك وجواري وعبيد من سائر الأجناس والصنوف، وما بين أملاك ورباع وقرى وضياع وسفن وجياد وبغال وحمير وجمال وبقر وجاموس وأغنام، ومن السلاح والأثاث والآلات ما لا يكاد أن يعدّ ولا يضبط بحدّ، حتى بلغت عدّة مماليكه زيادة على المائة، وكان يعتق أحدهم ويزوّجه بأمة يعتقها أيضا ويجهّزها بتلك السريّة، ونفذت كلمته، وتوفّرت حرمته، وبعد صيته، ومهر وذكر وعظم وضخم، وصار يدبّر المملكة للظاهر جقمق. وكان الظاهر ظنينا به جدا، وألقى إليه مقاليد الكثير من الأمور وحكمه في الجمهور، واعتنى بشأنه جدا، ونوّه به، بل ربّما دعا له في الملأ العام من العسكر، وقرأ له الفاتحة في بعض الأحيان بسراره، وتردّد الظاهر إليه بنفسه غير ما مرة لعيادته وغير ذلك، وملك البلاد والعباد، ووصل إلى رتبة لم يصل إليها من كان قبله من الأستادارية، لا الجمال الدين ولا محمود بن أصفر عينه، وناهيك بجلالة قدرهما وما وصل إليه، بل ولا وصل غيرهما إلى ما وصل هو إليه، ولم يكن لغيره معه كلام، ولا على يده يد، وأنشأ الكثير من المدارس والجوامع الهائلة والربط والأسبلة، يقال إن ذلك زيادة على الستة عشر، ولعل ذلك لم يقع لملك من السلاطين، فضلا عن الأستادارية. وكان جلّ غرضه بذلك أن يكون شركا وأحبولة للرزق والأوقاف عليها فإنه كان يترقّب ما آل به الأمر إليه بأخرة من المصادرات والبلاء والرزّيات والفتن والمحن، وكان في ظنه أن لا يفطن بقصده، ويبقى له ذلك، فجاء الأمر بعكس ما قصده وأراده، وعورض في ذلك، وقد ضبطت وحلّت غالب أوقافه، وأبيعت الكثير من أملاكه، بل والكتب التي أوقفها، فما ظنك بغير ذلك لا سيما في سلطنة الظاهر خشقدم. ولم يزل في طول مدة الظاهر في الصعود والارتفاع، وهو مدبّر المملكة وعن رأيه تصدر الأشياء الكثيرة فيها، وقصد للمهمّات من سائر الجهات، وأتحف بالهدايا والمراسلات، كل ذلك مع وجود الجمال بن كاتب جكم وتمكّنه وعظمته. وكان السلطان منقادا إليه ومعوّلا في كثير من الأمور عليه حتى زالت الدولة الظاهرية وولي السلطنة المنصور عثمان بن الظاهر المذكور، فكان على يده أفول نجم سعادته. وأعان هو على ذلك بمساعدة نفسه عليها بقلّة لباقة وعدم لياقة، فعارض السلطان في قضية النفقة على ما تقدّم في محلّه من سلطنة المنصور، وظنّ أنّ أمره يروج في معارضته، وأن السلطان كأبيه في قبضته، بل ظنّ الأدوية والأولية فانعكست عليه القضية، واحتدّ منه المنصور، لا سيما في أول الدولة، وحين الاحتياج، فلم يرد بدّا من قبضه عليه حتى لو قيّد أنه يكون من أعظم خواصه ومن يلوذ به ومقرّبيه لاضطر إلى فعله ما فعله به لقطع طمع الطامعين وزجر من عساه يقتفي آثاره. ولما قبض عليه صادره على جملة من المال طائلة، وألزمه بمبلغ عظيم جدا، وأخذ منه / أشياء (. . .) وولي الأستادارية عوضا من جانبك (. . .) وجرت عليه أمور كثيرة ومحن يطول الشرح في ذكرها. ثم أعيد إلى الأستادارية في الدولة الأشرفية الإينالية، ثم صودر وصودر وصرف غير ما مرة، وأعيد كذلك، وكان يعود على أقبح وجه وأسواؤه (كذا)، وهرب في أثناء عوداته واختفى غير ما مرة، وامتحن في أثناء ذلك غير ما مرة أيضا بالضرب والسجن والنفي إلى القدس والمدينة وغيرهما. وقد بلغنا عنه أنه صودر تسعة عشر مرة (كذا)، ولعلّ الأخيرة التي مات عقيبها هي المكمّلة للعشرين، =

<<  <  ج: ص:  >  >>