للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألسنتهم، ويرون أنهم ما عرفوا دين الإسلام إلاّ بهم، وأنهم عسى ما كانوا هم في بركتهم، فعاد الأمر بالعكس حتى وصلوا [إلى] الوقيعة فيهم، ثم تزايد الأمر بعد ذلك لا سيما في أزماننا هذه حتى صار أقلّ الناس فضلا عن الأماثل والأكابر يتكلّمون في القضاة والعلماء وينسبونهم إلى المعايب والمثالب والمصائب، حتى أقبل الغلمان وأراذل العامّة وسفلة الناس، وما ذاك إلا عقوبة من الله تعالى لهم لامتهانهم العلم وخضوعهم لبني الدنيا في طلبها، وليتها وصلت إليهم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون» (١).

أمّا رأيه في دولة الجراكسة فكان أشدّ قسوة حين تحدّث عن «برقوق» فقال: «وكان جنديا من المماليك اليلبغاوية لا ذكر له، وهو من غير جنس العسكر الموجود لكونه جركسيّ الجنس وهم ترك، ولكن أذلّ الله تعالى به دولة الترك حتى قامت به دولة الجركس وكانت شرّ دولة قامت في الإسلام على ما سيأتي لك بيانه، وعلى ما هو ظاهر لمن له أدنى بصيرة ونظر بنور الحق والاعتبار» (٢).

وقال في موضع آخر في حوادث سنة ٧٨٢ هـ‍: «وقامت دولة الجراكسة وأمرها لم يتمّ، فإنها من أسوأ دولة وشرّها، وعلى يديها كان زوال محاسن مملكة مصر وقواعد سلطنتها، وتغيّرت الأحوال، وظهرت الأهوال. وبالله المستعان» (٣).

ويعقد في حوادث سنة ٨٣٩ هـ‍. مقارنة بين النفقة السلطانية على الأمراء والجند الذين عيّنوا للتجريدة إلى بلاد الشام في شهر شعبان، وبين ضخامة النفقة ذاتها في سنة ٨٩٥ هـ‍. ليؤكّد على تدهور الوضع الاقتصاديّ وتضخّم الإنفاق المالي في أواخر القرن التاسع الهجري، كدليل على تردّي الأوضاع العامّة في دولة المماليك الجراكسة، فيقول: «وفي شعبان كانت النفقة السلطانية على الأمراء والجند الذين عيّنوا للتجريدة للشام، وبلغت النفقة سبعة عشر ألف دينار، حتى استكثرها البعض من الناس». (هذا في عام ٨٣٩ هـ‍).

«فلو نظر إلى زمننا هذا وما فيه من النفقات فإن في هذه الأيام التي نحن بها في عصرنا حين تصنيفنا هذا التاريخ في سنة خمس وتسعين وثمانمائة، خرج العسكر إلى قتال ابن عثمان، فكانت النفقة فيه على الأتابك وحده أربعة وعشرين ألف دينار، وزادت النفقة بأسرها على الألف ألف دينار فيما أخبرت» (٤).

اتخاذ الكتاب مصدرا للمؤرّخين

مثلما اعتمد المؤلّف في تدوين مادّة كتابه على مصادر المؤرّخين المتقدّمين، فإنّ المؤرّخين المعاصرين له والمتأخّرين عنه اعتمدوا كتابه بين مصادرهم، بل إنّ بعضهم اتخذ هذا الكتاب مصدرا أساسيا بحيث أفرغ معظمه في كتابه، ونخصّ بالذكر «ابن إياس»


(١) نيل الأمل ١ / ورقة ٢٥٦.
(٢) نيل الأمل ١ / ورقة ٢٢٦.
(٣) نيل الأمل ١ / ورقة ٢٤٨.
(٤) نيل الأمل ١ / ورقة ٦٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>