للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسلطنة، فعلم أنّ المراد من تلقيبه بذلك لأجل نوع حدّة كانت في مزاجه وجرأة وإقدام حتى شبّه بالمجنون. بل ما قاله هذا المؤرّخ يؤدّي إلى الطعن في أهل الحلّ والعقد من الأئمّة والقضاة والعلماء، بل والأمراء والجند حيث ولّوا عليهم مجنونا. وبالجملة فذا كلام لا على طريقة الإنصاف، بل الإنصاف خلافه» (١).

ويعود المؤلّف فينتقد كلام «ابن تغري بردي» في كلّ من الأمير «قرقماس الجلب» و «الأمير قراجا» وذلك في شهر رجب من سنة ٨٧٢ هـ‍. ووصف رأيه فيهما بأنه تخبيط (٢).

ويعقّب على قوله من أنه يظنّ أنّ علي بن بركات شقيق أمير مكة محمد بن بركات حضر إلى مصر لآخر مرة في سنة ٨٧٢ هـ‍، فيقول المؤلّف: «لم يكن ذلك آخر عهده لذلك؛ بل قدم بعد ذلك إلى مصر في سنة اثنين (كذا) وثمانين، ودام بها إلى يومنا هذا قاطنها، وكان لما عاد إلى أخيه أقام عنده مدّة ووقع بينهما أمور، وتوسّع خيال علي هذا من أخيه، ففرّ منه إلى القاهرة من على جهة القصير في البحر، وقدم القاهرة من الصعيد» (٣).

وتوقّف مشكّكا في قول «ابن تغري بردي» حول شيخ الخدّام بالحرم النبويّ الشريف سرور الطرباي الحبشي الطواشي، المتوفى سنة ٨٧٣ هـ‍ (٤).

ورغم كل النقد والتجريح والنيل من «ابن تغري بردي» فإنّ المؤلّف لم يستنكف عن النقل من مؤلّفاته، وعن تسميته ب‍ «صاحبنا»، وهو ينقل عن كتابه: «حوادث الدهور»، فيقول: «ذكر صاحبنا الجمال يوسف بن تغري بردي»، وذلك في حوادث شهر شعبان سنة ٨٧٣ هـ‍. ثم يتبع ذلك بقوله: «هذا ما نقلته من تاريخه مما ذكره به بنحو ما قلناه، إن لم يكن بلفظه فبمعناه» (٥).

* * *

رأي المؤلّف في زمانه

يظهر المؤلّف امتعاضه الشديد من الأوضاع المتردّية التي آلت إليها أحوال دولة المماليك على مختلف الصعد، السياسية، والاقتصادية، والإدارية، وخاصّة بعد وصول الجراكسة إلى السلطنة، وهو يرى أن عهد الترك المماليك قبلهم كان أفضل بكثير، ويشير في أكثر من موضع في كتابه «نيل الأمل» إلى ضياع هيبة القضاة وهم أعلى سلطة في الجهاز الدينيّ، وتقدّم الأمراء العسكريين عليهم، بل إن تجرّؤ مماليك الأمراء على قاضي


(١) الروض الباسم ٣ / ورقة ١٦٠ ب، ١٦١ أ.
(٢) الروض الباسم ٤ / ورقة ١٧٥ ب.
(٣) الروض الباسم ٤ / ورقة ١٨٠ ب.
(٤) الروض الباسم ٤ / ورقة ٢٣٥ ب.
(٥) الروض الباسم ٤ / ورقة ٢١٦ ب و ٢١٧ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>