وملخّصه أنه اشترى عشر جواري من الزنوج وسلّمهنّ لمملوك كان اشتراه بتونس أصله من سردينية كان أسيرا وأسلم، فأعتقه وركن إليه، ولكن المملوك خدعه إذ كان يتظاهر بالإسلام، وقال له إن الرقيق في غاية الرخص في هذه البلاد، وهو غال بساحل بيروت، فاشتر لي فرسا أتوجّه به إلى بيروت صحبة مراكب البنادقة مع التجار، فأبيع الرقيق وأعود إليك بمال طائل، فاشترى له ما أراد وأنزله البر مع التجار، فورد الخبر بعد مدّة أن المملوك ذهب إلى جزيرة رودس وباع الرقيق هناك، وارتدّ عن الإسلام، وخرج إلى سردينية. فجاء من أخبر قائد طرابلس بذلك، وسنحت له الفرصة أن ينتقم من المؤلّف، فبعث خلفه وسأله عن الجواري، فقال إنه بعث بهنّ إلى بيروت، فردّ القائد بأنك بعثت بهنّ إلى رودس وبعتهنّ هناك، فأقسم المؤلّف إن كان فعل ذلك فعليه ألف دينار لبيت مال المسلمين، فسكت القائد، وانفضّ المجلس، وبعد وقت قصير أحضر أمام القائد ثانية وقد وصل اثنان من الأسرى المسلمين كانا بردوس فأخبرا بما فعل المملوك ووصفاه، فالتزم بأداء الألف دينار إن صحّ الخبر، وأتى القائد بشاهدين وكتب محضرا بذلك، وأنه إن أتى آت وأخبر بالخبر نفسه كان عليه تنفيذ التزامه (١).
وفي يوم الخميس منتصف شهر محرم من سنة ٨٦٨ هـ. وصل إلى طرابلس الغرب قارب فيه اثنان من الأسرى المسلمين هربا به من رودس، وأخبرا القائد بما فعله المملوك، فاتفق القائد معهما أن يرويا ذلك أمام المؤلّف، ولكن دون ذكر ارتداد المملوك عن الإسلام، وطلب منه الألف دينار، وأمر بحبسه دون أن يمهله فرصة لتدبير أمره، وبعث إلى داره بجماعة فأخذوا جميع ما وجدوه بها من المتاع، وحملوا أمّ ولده إليه، وبات المؤلّف ليلته سجينا، وعلم جماعة من أعيان طرابلس بالقضية فأتوا إلى القائد مستنكرين، وكان القاضي قد بلغه ارتداد المملوك عن الإسلام فقام بما يوجبه الشرع وقال للقائد إنّ الشرط لا يلزم أداء المبلغ لأنّ المملوك ارتدّ عن الإسلام وخدع صاحبه واحتال عليه وذهب بماله، فوعده القائد بالإفراج عنه غدا، وفي الليل أحضر المؤلّف من سجنه وتوعّده وخوّفه، وأخذ منه مالا بالمكر والخديعة، وحلّفه أن لا يذكر شيئا مما حدث لأحد من أهل طرابلس. وقد جرى كل ذلك دون أن يدري بما فعله القاضي وأعيان المدينة، كما لم يعرف بارتداد المملوك. وفي صباح اليوم التالي أطلق سراحه، وعندما وقف على حقائق الأمور ندم على دفع المال للقائد وسكت وهو على مضض كبير، وزاد من أسفه أنّ القائد داهن كبير التجار بطرابلس عبد الحميد العوّادي، فانقلب عليه ولم يراع صحبته ووقف إلى جانب القائد الظالم اتقاء لشرّه، وكان عند المؤلّف صاحب من ظرفاء سمرقند يدعى «خليل العجمي» وقد أحاط بكل ما جرى، فتأثّر من موقف كبير التجار المتنكّر لصديقه، وكان له إلمام بالنظم، فنظم أبياتا هجاه