للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفتي تلمسان، ويحيى بن أبي الفرج قريب التلمسانيّ قاضي غرناطة وعالم الأندلس، ولقي جماعة آخرين من الفضلاء والأدباء والأطبّاء، ومنهم سيدي علي بن قشوش أحد أطبّاء تلمسان، وسمع من فوائدهم وحضر دروس بعضهم، ونقل عنهم أشياء وأجازوه، ولازم في الطب موسى بن سمويل بن يهودا الإسرائيلي المالقي، الأندلسي اليهودي المتطبّب المعروف بأبيه، وقال إنه لم يسمع ولم ير مثله في مهارته في الطب وعلم الوفق والميقات وبعض العلوم القديمة (١).

وفي آخر نهار ٢٧ من ربيع الآخر دخل وهران، وزار زاوية سيدي إبراهيم التازي، المتقدّم ذكره، كما اجتمع بأبي العباس أحمد بن العباس المالكيّ مفتي وهران، وصاحب بها كبار أهل العلم والفضل فأفاد منهم الكثير (٢).

وفيما كان المؤلّف يتابع رحلته في بلاد المغرب العربيّ كان والده يتردّد على السلطان خشقدم في القلعة بالقاهرة، وفي يوم الجمعة آخر جمادى الأول صعد وسأل السلطان في أمر إرث المغاربة بدمشق، وتمنّى عليه أن ينفق لفقرائهم، فأجابه إلى ذلك، ثم بادره بقوله: إنك لم تسألني شيئا لنفسك قط، وإنما تسألني حوائج الناس! فاغتنم الفرصة وسأله أن ينزل عمّا بيده من الإقطاع بدمشق باسم أولاده، فأجابه وكتب له منشورا باسم أولاده: أمير حاج، وأحمد، وعبد الباسط (المؤلّف)، ومحمد أبو الفضل (أخو المؤلّف)، ويوسف، وإبراهيم، وعبد الرحمن، والكل في قيد الحياة في سنة ٨٦٩ هـ‍. ما عدا إبراهيم. ولما ساءت العلاقة بين والد المؤلّف والسلطان الظاهر هذا أخرج الإقطاع عن أولاده وتركهم بغير شيء، ثم قطع مرتّباتهم على الذخيرة ببيت المقدس (٣).

وغادر المؤلّف وهران إلى تلمسان فدخلها في ١٧ من شهور رمضان ٨٦٩ هـ‍. ونزل عند عبد الرحمن بن النجار صاحب الأشغال بها، وهو مدبّر المملكة لسلطانها ابن أبي ثابت. فأنس به هو وولداه عبد الله (الأكبر)، وعبد الواحد (الأصغر)، وسأله أن ينشده شيئا من نظمه في مدح صاحب تلمسان، فنظم قصيدة في نحو أربعين بيتا وكتب بها إليه، فلقيت صدّى طيبا عنده، فدعاه إليه ورفع من محلّه وشكره عليها، وكتب له ظهيرا بمسامحته في كل ما يتصرّف به من أنواع المتجر، ورتّب له مسكنا ينزل فيه طوال وجوده في تلمسان، مع توفير الغذاء من لحم ودقيق وغيره من غلال، ثم سأله عن مواضع في القصيدة أشكلت عليه فأجابه عنها، وأخذا يتباحثان في ذلك، ثم أمر بنسخ القصيدة بخط أحد الكتّاب الجيّدين، وأن يقرأها إنسان ذو صوت حسن بين يديه يوم عيد الفطر بحضور قاصد صاحب تونس. وعندما تصوّف المؤلّف غسل هذه القصيدة في جملة ما غسله من


(١) الروض الباسم ٣ / ورقة ٩١ ب، ٩٢ أ.
(٢) الروض الباسم ٣ / ورقة ٩٤ ب.
(٣) الروض الباسم ٣ / ورقة ٩٥ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>