للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها إلى بلد يقال لها الجامة، وبات بها ليلة، ثم سار إلى غرناطة، ولقي بها جماعة من العلماء والفضلاء، منهم: أبو عبد الله محمد بن منظور، وحضر مجلسه أكثر من مرة، وسمع الكثير من فوائده (١).

وفي ٢٩ من صفر ٨٧٠ هـ‍ صعد إلى دار الإمارة بعد أن بعث إليه الأمير أبو الحسن صاحب غرناطة ليسأله عن أخبار صاحب تلمسان وصاحب تونس، فأخبره، وسأله عن الشام وأحواله، وعن القاهرة وملكها، فأجابه عن كل ما سأل، وكان يبدي تعجّبه مما يسمعه، ثم أخذ ورقة وكتب عليها بخطه بإعفائه من أيّ شيء يلزم به التجار من المغارم، وأكرمه للغاية (٢).

وفي عاشر ربيع الأول زار ربض غرناطة المعروف بالبيازين وشاهد الجامع الأعظم هناك، وعزم على الخروج لرؤية قرطبة، ولكن حدث له، ما لم يكن في الحسبان إذ تلقّى ضربة عنيفة بالسيف وهو في زنفة الكحيل بغرناطة، فأصيبت شفته العليا وأنفه وخدّه الأيسر، وكسر ثمانية من أسنانه، وفصلت شفته ثم أعيدت، وخيطت جراحه بعد أن مكث يعالج نحو الشهر، وقد أشرف على الموت. ولم يكن المعتدي عليه سوى اليهوديّ الذي عطف عليه وهو بطرابلس الغرب وساعده في ضمّ ابنه إليه، وهو المدعو «عبد الرحمن»، وكان نزل غرناطة أيضا، وادّعى أنه عارف بالطبّ، وأخذ يترفّع على علمائها وأهلها حتى ضاقوا به ذرعا، وعندما نزلها المؤلّف بعد أيام سئل عنه فلم يعرفه لانقطاع أخباره عنه مدّة طويلة، ولم يتوقّع أن يكون في غرناطة، وعندما وصف له بدقّة عرف أنه هو، فحذّرهم منه، وأخبرهم بخيانته له، وأنه يهوديّ منافق يدّعي الإسلام، وعرف اليهوديّ أيضا به، فكمن له في أحد الأزقّة الضيقة وضربه بالسيف يريد قطع رقبته فأخطأها، ووقع المؤلّف أرضا من هول الصدمة، فظنّ اليهوديّ أنه مات، ففرّ هاربا، وعندما علم ببرئه بعد ذلك من جراحه تأكد أنه لن يكون آمنا بعد أن دلّ عليه، ففرّ إلى بلاد الفرنج مرتدّا عن دينه. وعلم فيما بعد أن أحد أسرى المسلمين لدى الفرنج تمكّن منه وقتله بعد أن وقف على أعماله المشينة دون أن يعرف المؤلّف أو يلتقيه، ونجا الأسير بنفسه إلى بلاد المسلمين (٣).

وعاد المؤلّف من غرناطة إلى مالقة في أواخر جمادى الآخر ٨٧٠ هـ‍. بعد أن تماثل بعض الشيء إلى الشفاء، وفي يوم الإثنين مستهلّ شهر رجب ركب البحر عائدا إلى وهران فدخلها في الرابع من رجب، وكان يريد متابعة السفر إلى تونس ولكنه كان مجهدا، فأشار عليه بعض أصحابه بالراحة والإقامة في وهران (٤). ويوم الأحد ١٤ من رجب زاره عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بابن النجار نيابة عن أبيه عبد الرحمن مدبّر


(١) الروض الباسم ٣ / ورقة ١١٢ ب، ١١٣ أ.
(٢) الروض الباسم ٣ / ورقة ١٣٣ أ.
(٣) الروض الباسم ٣ / ورقة ١١٣ ب، ١١٤ أ.
(٤) الروض الباسم ٣ / ورقة ١١٥ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>