وسمع أيضا من الإمام المؤرّخ جلال الدين السيوطيّ شعرا يرثي فيه «المناوي» كما سيأتي. وله شيوخ غير الذين ذكرناهم أورد «السخاوي» بعضهم في ترجمته الآتية بعد قليل.
* * *
وفي العودة إلى وقائع رحلة المؤلّف، وقائمة شيوخه، يمكن أن نؤكّد على تنوّع مصادر ثقافته، واتصاله بعلية القوم وكبار العلماء في كل مدينة أو بلدة دخلها، وهذا يدلّ على وجاهته وعلوّ قدره، بحيث أكسبته التجارة موقعا اجتماعيا محترما، مع ما كان له من رصيد اجتماعيّ وثقافيّ اكتسبه من والده الذي وصل إلى رتبة الوزارة في مصر، وغير ذلك من المناصب الرفيعة في مصر والشام وغيرها، فضلا عمّا صنّف من مؤلّفات، فجمع بين المكانة السياسية والمكانة العلمية، حتى عرف المؤلّف في بعض المصادر ب «ابن الوزير»، فلا غرابة إذن أنّ نراه يجتمع بالملوك والسلاطين والولاة والقضاة والمفتين والخطباء والعلماء، وكبار التجار والوجهاء، وأن ينسج علاقات وصداقات واسعة مع رجالات عصره في البلاد التي ينزلها ويقيم فيها. ولم تصرفه التجارة، بل لم تستحوذ على كل تفكيره واهتمامه، إذ جمع بينها وبين طلب العلم والاستزادة منه بالاجتماع بالعلماء والشيوخ، والتردّد على مجالس العلم، وميله إلى التصوّف وزيارة قبور الأولياء والصالحين، والعلماء الأقدمين.
ومن خلال العودة إلى شريط رحلته، مرة أخرى، نجده ساذجا تارة، وحريصا تارة أخرى، وذلك من خلال ما جرى له من مملوكه العاقّ الذي خدعه، ومن اليهوديّ الذي أراد قتله، ومن قائد طرابلس الغرب الذي ظلمه، وكبير التجار الذي تخلّى عن نصرته. وفي المقابل، نجد شريحة كبيرة من الأصدقاء والأصحاب الذين وقفوا إلى جانبه في أوقات الشدّة، وساعدوه، وعادوه أثناء مرضه، وتأثّروا لما أصابه عند محاولة اغتياله، وإضافة أهله في بيت أحدهم عدّة أشهر أثناء سفره إلى الأندلس بمفرده، وتأثّره من قاضي القضاة الحنفية بمصر الشيخ محمد بن المغربي الغزّي، الذي وثب على وظيفة التدريس في أحد جوامع القاهرة، حيث وقع بينهما شنآن - حسب تعبيره - وأخذ الوظيفة منه بغير طريق ظلما وعدوانا (١).
وتنوّعت معارف المؤلّف بين لغوية، وأدبية، وفقهية، وطبّية، وأصول، ونظم ومنطق، وهندسة، ومساحة وعن العلمين الأخيرين يتحدّث المؤلّف أن والده أخذه معه إلى مجلس شيخه بالمدرسة المؤيّدية قاضي القضاة الحنفية السعد بن الديري، وذكره عنده، فقال القاضي الديري: «قد سمعت به وإنه طالب علم حذق، ثم أخذ بعد ذلك يسألني عن مسألة العشر في العشر، فتكلّمت ببعض كلام فتح الله تعالى به في ذلك الحين