للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غرض نائب حلب فأطلقه وأقطعه مدينة قاقون (١) يأكلها وهو مقيم بالبيت المقدس، فاستأذن


= لأنظره وإلاّ قطعت أيدي الكاتبين فيه. فقالوا له: إن هذا لم يكتب شيئا يتعلّق بك إنما كتب محضرا بحسن سيرته، وملازمة الطاعة. فدخل ابن الرسام إليه وقال: لا، هذا جواب إقناعي. لا بدّ أن تقف على المحضر لتنظر حقيقة ذلك، فاشتدّ طلب الكافل للمحضر، فحضر القضاة إلى الخليل وطلبوا منه المحضر، فادّعى خليل أنه أرسل المحضر إلى السلطان. ثم إنه أرسله إلى الكافل فقريء عليه فما وجد فيه شيئا مما قاله ابن الرسام فسكت. وتابع سبط ابن العجمي بعد ذلك ترجمة والد المؤلف «خليل بن شاهين» فنال منه ووصفه بخفّة العقل، وأنه افتقر افتقارا زائدا وعزل من المناصب ومات رثّ الحال، وغير ذلك، فقال: وهذا الرجل خفيف العقل له دعاوى عريضة، وكان ولي نيابة اسكندرية، وكان قد اجتمع بجماعة من العلماء وأخذ عنهم كشيخنا الحافظ ابن حجر بينهما مراسلات ومكاتبات عديدة، وله نظم في الدرجة السفلى. وكان يدّعي أن نظمه منسجم، رقيق، فائق في الدرجة العليا، والأمر بخلاف ذلك، ولكن بواسطة مكانته وما هو عليه شهد له بعض الناس - وهم الطامعون بما عنده من الإعطاء والكرم - بحسن النظم وجودته، وفضله وعلمه. ثم ذكر أسماء جماعة من شيوخه، وقال: ووقفت له على مؤلّف سمّاه: «التحفة المنيفة في جمع الأحاديث الشريفة»، جمع فيه أحاديث شريفة كل حديث لا تعلّق له بما قبله. وقال في أوله: «وشرحتها إلهاما»، وهذا دليل قلّة عقله ونظرته. فرأيته قد أخذ كلام العلماء وتصرّف فيه تصرّفا عجيبا: المبتدأ لا خبر له، والشرط لا جزاء له. وله مؤلّف آخر سمّاه «الذخيرة لوقت الحيرة»، يشتمل على فضل لا إله إلا الله. وله تخميس بانت سعاد، ونظمه غير طائل، سدّ وزن، وأولها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وفيه شوق إلى الأحباب موصول من وجدهم في طوى الأحشاء معلول قد زاد حبّا فلا يتلوه تحويل متيمّ إثرها لم يفد مكبول قال في كتاب «التحفة»: ومما أتحفني به شيخنا الحافظ ابن حجر: أيا غرس فضل أثمر العلم والندى فلله ما أزكى وما أطيب الثمر (وستأتي بقية الأبيات في ترجمة والد المؤلف بعد قليل). وولي وزارة مصر وكتب تقليده بذلك، وجاء رؤساء القاهرة إلى بيته لسماع قراءة التقليد على العادة، وكان ممن حضر القاضي عبد الباسط، فقريء منه أن السلطان قلّده وزارة المشارق والمغارب. فقال في وجهه القاضي عبد الباسط: «المفاسي والمضارط». وفي آخر عمره افتقر افتقارا زائدا وعزل من المناصب، ولم يتولّ منصبا ومات رثّ الحال، قليل المتاع، وكان بحلب كتب له القاضي الفاضل زين الدين أبو حفص عمر بن القاضي ضياء الدين محمد النصيبي الشافعي بأبيات منها: ملكت رقاب العالمين جميعهم بفضل صلات منك يا صاحب الفخر غرست ثمار الفضل في كل (بقعة) فلا زلت محبورا من الله بالنصر وفقت الورى بالعلم والفضل والتقى وفي الرأي والأفعال والنهي والأمر وقد صرت من بعض. . . فإن نجد بها من عيوب عظما أنت بالستر (كنوز الذهب ٢/ ١٧٥ - ١٧٩) وفيه وردت «نبعة» ولا معنى لها، فصحّحناها إلى «بقعة».
(١) قاقون: حصن بفلسطين قرب الرملة. وقيل: هو من عمل قيسارية من ساحل الشام. (معجم البلدان ٤/ ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>