للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذه الآية أثبت الله تعالى استواءه على العرش الذي هو أعلى المخلوقات وأثبت أنه معنا وليس بينهما تعارض فإن الجمع بينهما ممكن وبيان إمكانه من وجوه:

الأول: أن النصوص جمعت بينهما فيمتنع أن يكون اجتماعهما محالا لأن النصوص لا تدل على محال ومن ظن دلالتها عليه فقد أخطأ فليعد النظر مرة بعد أخرى، مستعينا بالله، سائلا منه الهداية والتوفيق، باذلا جهده في الوصول إلى معرفة الحق، فإن تبين له الحق فليحمد الله على ذلك، وإلا فليكل الأمر إلى عالمه وليقل: " {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ".

والثاني: أنه لا منافاة بين معنى العلو والمعية، فإن المعية لا تستلزم الاختلاط والحلول في المكان - كما تقدم - فقد يكون الشيء عاليا بذاته وتضاف إليه المعية كما يقال: " ما زلنا نسير والقمر معنا " مع أن القمر في السماء، ولا يعد ذلك تناقضا لا في اللفظ ولا في المعنى، فإن المخاطب يعرف معنى المعية هنا، وأنه لا يمكن أن يكون مقتضاها أن القمر في الأرض، فإذا جاز اجتماع العلو والمعية في حق المخلوق ففي حق الخالق أولى.

الثالث: أنه لو فرض أن بين معنى العلو والمعية تناقضا وتعارضا في حق المخلوق فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فلا تقاس معيته بمعية خلقه، ولا تقتضي معيته لهم أن يكون مختلطا بهم أو حالا في أمكنتهم لوجوب علوه بذاته، ولأنه لا يحيط

<<  <  ج: ص:  >  >>