الباب الرابع: في بيان صحة مذهب السلف وبطلان القول بتفضيل مذهب الخلف
في العلم والحكمة على مذهب السلف
سبق القول في بيان طريقة السلف وذكر الدليل على وجوب الأخذ بها، أما هنا فإننا نريد أن نبرهن على أن مذهب السلف هو المذهب الصحيح وذلك من وجهين:
أحدهما: أن مذهب السلف دل عليه الكتاب، والسنة، فإن من تتبع طريقتهم بعلم، وعدل وجدها مطابقة لما في الكتاب والسنة جملة وتفصيلا ولا بد فإن الله تعالى أنزل الكتاب ليدبر الناس آياته، ويعملوا بها إن كانت أحكاما، ويصدقوا بها إن كانت أخبارا، ولا ريب أن أقرب الناس إلى فهمها وتصديقها والعمل بها هم السلف، لأنها جاءت بلغتهم وفي عصرهم، فلا جرم أن يكونوا أعلم الناس بها فقها، وأقومهم عملا.
الثاني: أن يقال: إن الحق في هذا الباب إما أن يكون فيما قاله السلف، أو فيما قاله الخلف. والثاني باطل، لأنه يلزم عليه أن يكون الله ورسوله، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، قد تكلموا بالباطل تصريحا، أو ظاهرا، ولم يتكلموا مرة واحدة بالحق الذي يجب اعتقاده لا تصريحا ولا ظاهرا فيكون وجود الكتاب والسنة ضررا محضا في أصل الدين، وترك الناس بلا كتاب ولا سنة خيرا لهم وأقوم، وهذا ظاهر البطلان.
هذا وقد قال بعض الأغبياء: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم.