الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن الله تعالى: بعث محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدى ودين الحق، رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على العباد أجمعين، فأدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وبين للناس جميع ما يحتاجون إليه في أصول دينهم وفروعه، فلم يدع خيراً إلا بينه وحث عليه، ولم يترك شراً إلا حذر الأمة عنه، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء، ليلهاكنهارها، فسار عليها أصحابه نيرة مضيئة، وتلقاها عنهم كذلك القرون المفضلة، حتى تجهم الجو بظلمات البدع المتنوعة التي كاد بها مبتدعوها الإسلام وأهله، وصاروا يتخبطون فيها خبط عشواء، ويبنون معتقداتهم على نسج العنكبوت وأوهن. والرب تعالى: يحمي دينه بأوليائه الذين وهبهم من الإيمان، والعلم، والحكمة ما به يصدون هؤلاء الأعداء، ويردون كيدهم في نحورهم فما قام أحد ببدعة إلا قيض الله وله الحمد من أهل السنة من يدحض بدعته، ويبطلها.
وكان في مقدمة القائمين على هؤلاء المبتدعة: شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي المولود في حران يوم الاثنين الموافق ١٠ ربيع الأول سنة ٦٦١ هجرية والمتوفى محبوساً ظلماً في قلعة دمشق في ذي القعدة سنة ٧٢٨ هجرية.
وله المؤلفات الكثيرة في بيان السنة، وتوطيد أركانها، وهدم البدع ومما ألفه في هذا الباب رسالة " الفتوى الحموية" التي كتبها جواباً لسؤال ورد عليه في سنة ٦٩٨ هجرية من " حماة" بلد في الشام يسأل فيه عما يقوله الفقهاء وأئمة الدين في آيات الصفات وأحاديثها؟ فأجاب بجواب يقع في حوالي ٨٣ صفحة وحصل له بذلك محنة، وبلاء فجزاه الله تعالى: عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
ولما كان فهم هذا الجواب والإحاطة به مما يشق على كثير من قرائه أحببت أن ألخص المهم منه مع زيادات تدعو الحاجة إليها وسميته " فتح رب البرية بتلخيص الحموية ".
وقد طبعته لأول مرة في سنة ١٣٨٠ هجرية، وها أنا أعيد طبعه للمرة الثانية، وربما غيرت ما رأيت من المصلحة تغييره من زيادة أو حذف.
والله أسأل أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه ونافعاً لعباده إنه جواد كريم.