وأما من زعم أنه ليس جهادًا إسلاميًا فليتحمَّل هذه الدعوى وهذه الفِرْيَة، أَخشى أن يكون ممن صَدَّ عن سبيل الله. وعلى المرء ألا يطلق مثل هذه العبارات في عباد الله الذين ظاهرهم الخير والحق،
فإن هذا خطر عظيم. ألم يبلغكم أنَّ أسامة بن زيد- وهو من أحب الرجال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - لحق رجلاً من المشركين في إحدى الغزوات، فلما أدركه أسامة- رضي الله عنه- قال الرجل: لا إله إلا الله، فظن أسامةُ أنه قال ذلك تعوُّذًا وتخلصًا من القتل، فقتله- رضي
الله عنه-، ثم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال:"يا أسامة، أَقَتَلْته بعدَ ما قال: لا إله إلا الله؟ "، قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم (١) .
مع أنه لو عاد الأمر ونظرنا في القرائن، لكُنَّا نظنُّ كما ظنَّ أسامة رضي الله عنه، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كرَّرَ ذلك إشارةً إلى أنه لم يرضَ بهذا العمل، وأنَّ كلّ من أبدى لنا خيرًا فإننا يجب أن نعامله بما أبدى لنا؛ لأن النية في القلب لا يعلمها إلا خالقُ القلب جل وعلا. وكوننا
نَتَّهم هؤلاء بسوء القصد لا يجوز، وأرى أنَّ من قال ذلك عليه أن
(١) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث النبي صلى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة، برقم (٤٢٦٩) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله، برقم (٩٦) .