للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجاب بقوله: الصحيح أنه يجوز قتل الجاسوس الذي ينقل أخبار المسلمين إلى أعدائهم، ولو كان مسلمًا؛ لأنَّ جريمته عظيمة، وفعله هذا موالاة للكفار في الغالب، ودليلُ ذلك أن حاطب بن أبي

بلتعه لما أرسل كتابًا إلى قريش، وعلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأله ما هذا؟ فأخبره بعذره فقالوا: ألا نقتله يا رسول الله فمنع من قَتْلِه، وقال: "لعل الله اطلع على أهل بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتُم فقد غفرتُ لكم " (١) .

فهذا يدلُّ على أن قتل الجاسوس جائزٌ، وأنه لولا المانع في قصة حاطب لقتله، وأما توبته فإنه إذا تاب تاب الله عليه كغير الجاسوسية من الذنوب، لقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . (٢) فما من ذنبٍ يعمله العبد ثم يتوب منه، إلا تاب الله عليه بدون استثناء، ثم إن كانت توبته قبل أن يقبض عليه فإنها تمنعه من القتل، وإذا رأى الأمير المصلحة في عدم قتله فلا يقتله؛ لأنَّ قَتْلَه من أجل القضاء على مفسدته، فإذا كان في قتله مفسدة أعظم من إبقائه فلا يقتله، فالمقصود: حصول المصالح ودرء المفاسد.


(١) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدراً، برقم (٣٩٨٣) . ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة، برقم (٢٤٩٤) .
(٢) سورة الزمر، الآية: ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>