أما علماء الكون الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه فننظر إن اهتدوا بما وصلوا إليه من العلم، واتقوا الله- عز وجل - وأخذوا بالإسلام صاروا من علماء المسلمين الذين يخشون الله، وإن بقوا على كفرهم، وقالوا: إن هذا الكون له محدث، فإن هذا لا يعدو أن يكونوا قد خرجوا من
كلامهم الأول إلى كلام لا يستفيدون منه. فكل يعلم أن لهذا الكون محدثاً؛ لأن هذا الكون إما أن يحدث نفسه، وإما أن يحدث صدفة، وإما أن يحدثه خالق وهو الله- عز وجل- فكونه يحدث نفسه مستحيل؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقاً، ولا
يمكن أن يوجد صدفة لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجوده على هذا النظام البديع والتناسق المتآلف والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعاً باتاً أن يكون وجوده صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف
يكون منتظماً حال بقائه وتطوره؟ وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها ولا توجد صدفة تعين أن يكون لها موجد، وهو الله رب العالمين.