وفي الثانية نهى أن تضرب له الأمثال فجمع في هاتين الآيتين بين النفي والنهي.
وأما العقل فدلالته على بطلان التمثيل من وجوه:
الأول: التباين بين الخالق والمخلوق في الذات والوجود، وهذا يستلزم التباين في الصفات، لأن صفة كل موصوف تليق به فالمعاني والأوصاف تتقيد وتتميز بحسب ما تضاف إليه.
الثاني: أن القول بالمماثلة بين الخالق والمخلوق يستلزم نقص الخالق سبحانه، لأن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصا.
الثالث: أن القول بمماثلة الخالق للمخلوق يقتضي بطلان العبودية الحق، لأنه لا يخضع عاقل لأحد ويذل له على وجه التعظيم المطلق إلا أن يكون أعلى منه.
وأما الحس: فإننا نشاهد في المخلوقات ما تشترك أسماؤه وصفاته في اللفظ، وتتباين في الحقيقة فللفيل جسم وقوة وللبعوضة جسم وقوة، والتباين بين جسميهما وقوتيهما معلوم فإذا جاز هذا التباين بين المخلوقات كان جوازه بين الخالق والمخلوق من باب أولى، بل التباين بين الخالق والمخلوق واجب والتماثل ممتنع غاية الامتناع.
وأما قولهم: إن الله تعالى خاطبنا بما نعقل ونفهم فصحيح لقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} . وقوله:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} . وقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} . ولولا أن الله أراد من عباده عقل وفهم ما جاءت به الرسل لكان لسان قومه ولسان غيرهم سواء،