للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عفوه ولكن لعجزه عن الانتصار لنفسه وحينئذ يكون نفي ذلك عنه نقصا وذما لا كمالا ومدحا.

ألم تر إلى قول الحماسي يهجو قومه:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إلى أن قال:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا

يريد بذلك ذمهم ووصفهم بالعجز لا مدحهم بكمال العفو بدليل قوله بعد:

فليت لي بهمو قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة ركبانا وفرسانا

وبهذا علم أن الذين لا يصفون الله تعالى إلا بالنفي المحض لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا بل ولا موجودا كقولهم في الله عز وجل: " إنه ليس بداخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين، ولا محايث (١) ، ولا فوق، ولا تحت، ولا متصل، ولا منفصل" ونحو ذلك.

ولهذا قال محمود بن سبكتكين (٢) لمن ادعى ذلك في الخالق جل وعلا: " ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم " (٣) . ولقد صدق


(١) المحايث: المداخل. ر ٥ / ٢٦٩ مجموع الفتاوى لابن القاسم.
(٢) محمود بن سبكتكين أحد كبار القادة يمين الدولة وأمين الملة استولى على الإمارة سنة ٣٨٩ وأرسل إليه القادر بالله الخليفة العباسي خلعة السلطنة فقصد بلاد خراسان وامتدت سلطنته من أقاصي الهند إلى نيسابور كان تركي الأصل فصيحاً بليغاً حازماً صائب الرأي شجاعاً مجاهداً فتح في بلاد الكفار من الهند فتوحات هائلة لم تتفق لغيره من الملوك لا قبله ولا بعده ومع ذلك كان في غاية الديانة والصيانة يكره المعاصي والملاهي وأهلها ويحب العلماء والصالحين ويجالسهم ويناظرهم مات في غزنة سنة ٤٢١ – ٤٢٢ هـ عن ثلاث وستين سنة تولى الإمارة فيها ثلاثاً وثلاثين سنة رحمه الله وأكرم مثواه.
(٣) هو أبو بكر بن فورك المتكلم المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>