{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} . ففي الآية ما يوهم وقوع الشك من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما أنزل إليه فيتبعه من في قلبه زيغ فيدعي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقع منه ذلك فيطعن في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما الراسخون في العلم فيقولون: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقع منه شك ولا امتراء فيما أنزل إليه، كيف وقد شهد الله له بالإيمان في قوله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} . وقوله:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
ويقولون: إن مثل هذا التعبير- {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} - لا يلزم منه وقوع الشرط بل ولا إمكانه كقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}(١) . فإن وجود الولد لله عز وجل ممتنع غاية الامتناع كما قال تعالى:{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} . فكذلك الشك والامتراء من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أنزل إليه ممتنع غاية الامتناع ولكن جاءت العبارة بهذه الصيغة الشرطية لتأكيد امتناع الشك والامتراء من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أنزل إليه من الله عز وجل.
(١) في معنى هذه الآية أقوال. أظهرها أنه إن كان للرحمن ولد ـ على سبيل الفرض الممتنع ـ فإن ذلك لن يحملني على عبادة ذلك الولد بل سأكون أول العابدين لله ولن أعبد الولد وذلك لأن المعبود لم يذكر فيها فنصرف المعني إلى من لا تصح العبادة إلا له وهو الله تعالى.