للمخلوقين فنفوا عن الله تعالى ما وصف به نفسه أو بعضه، وأعرضوا عن الأدلة السمعية والعقلية الدالة على ثبوت صفات الكمال لله عز وجل، وغفلوا عن كون الاشتراك في أصل المعنى لا يستلزم المماثلة في الحقيقة.
ثم لو أمعنوا في النظر في هذا المنفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لتبين لهم أنه يدل على ثبوت الصفات لا على انتفائها؛ لأن نفي المماثلة يدل على ثبوت أصل المعنى لكن لكماله تعالى لا يماثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولولا ثبوت أصل الصفة لم يكن لنفي المثل فائدة.
ومن أمثلة ذلك في المسائل العملية الحكمية قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«صلوا كما رأيتموني أصلي» . حيث اشتبه على بعض الناس ففهموا منه أنه شامل للكمية والكيفية وبنوا على ذلك أنه لا تجوز الزيادة في صلاة الليل على العدد الذي كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم به، فلا يزاد في التراويح في رمضان على إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعة، ولكن من تأمل الحديث وجده دالا على الكيفية فقط، دون الكمية إلا أن تكون الكمية في ضمن الكيفية كعدد الصلاة الواحدة ويدل لذلك ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أن رجلا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: " مثنى مثنى فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى» . وفي رواية أن السائل قال: كيف صلاة الليل؟ ولو كان عدد قيام الليل محصورا لبينه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا السائل ولهذا كان الراجح أن يقتصر في قيام الليل على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، وإن زاد على ذلك فلا بأس.
وأمثلة ذلك كثيرة، تعلم من كتب الفقه المعنية بذكر الخلاف والترجيح بين الأقوال، والله المستعان.