لكن لا بذاتها بل بما أودعه الله تعالى فيها من القوى الموجبة.
وهؤلاء هم الطائفة الوسط الذين وفقوا للصواب وجمعوا بين المنقول والمعقول، والمحسوس، وإذا كان القدر لا ينافي الأسباب الكونية والشرعية فهو لا ينافي أن يكون للعبد إرادة وقدرة يكون بهما فعله، فهو مريد قادر فاعل لقوله تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} . وقوله:{وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} . وقوله:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} . وقوله:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} .
لكنه غير مستقل بإرادته وقدرته وفعله، كما لا تستقل الأسباب بالتأثير في مسبباتها لقوله تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} . ولأن إرادته، وقدرته، وفعله من صفاته وهو مخلوق فتكون هذه الصفات مخلوقة أيضا، لأن الصفات تابعة للموصوف فخالق الأعيان خالق لأوصافها.
فإن قال قائل: أفلا يصح على هذا التقرير أن يحتج بالقدر من خالف الشرع؟ .
فالجواب: أن الاحتجاج بالقدر على مخالفة الشرع لا يصح كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، والنظر.