للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته.

والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا يمنح العبد حجة على ما ترك من الواجبات أو فعل من المعاصي، وعلى هذا فاحتجاجه به باطل من وجوه:

الأول: قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} ، ولو كان لهم حجة بالقدر ما أذاقهم الله بأسه.

الثاني: قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} ، ولو كان القدر حجة للمخالفين لم تنتفِ بإرسال الرسل؛ لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدر الله تعالى.

الثالث: ما رواه البخاري ومسلم - واللفظ للبخاري - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة، فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} » الآية، وفي لفظ لمسلم: «فكل ميسر لما خلق له» ، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمل، ونهى عن الاتكال على القدر.

الرابع: أن الله تعالى أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع، قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

<<  <  ج: ص:  >  >>