فلولا الإرادة لم يفعل، ولولا القدرة لم يفعل؛ لأنه إذا أراد وهو عاجز لم يفعل، لعجزه عن الفعل وإذا كان قادرا ولم يرد لم يكن الفعل، فإذا كان الفعل ناتجا عن إرادة جازمة وقدرة كاملة فالذي خلق الإرادة الجازمة والقدرة الكاملة هو الله، وبهذا الطريق عرفنا كيف يمكن أن نقول: إن الله تعالى خالق لفعل عبده، وإلا فالعبد هو الفاعل في الحقيقة فهو المتطهر وهو المصلي، وهو المزكي، وهو الصائم، وهو الحاج، وهو المعتمر، وهو العاصي، وهو المطيع لكن هذه الأفعال كلها كانت ووجدت بإرادة وقدرة مخلوقتين لله عز وجل، والأمر ولله الحمد واضح.
وهذه المراتب الأربع المتقدمة يجب أن تثبت لله عز وجل، وهذا لا ينافي أن يضاف الفعل إلى فاعله من ذوي الإرادة.
كما إننا نقول: النار تحرق والذي خلق الإحراق فيها هو الله تعالى بلا شك، فليست محرقة بطبيعتها بل هي محرقة بكون الله تعالى جعلها محرقة، ولهذا لم تكن النار التي ألقي فيها إبراهيم محرقة؛ لأن الله قال لها:{كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فكانت بردا وسلاما على إبراهيم، فالنار بذاتها لا تحرق ولكن الله تعالى خلق فيها قوة الإحراق، وقوة الإحراق هي في مقابل فعل العباد كإرادة العبد وقدرته، فبالإرادة والقدرة يكون الفعل، وبالمادة المحرقة في النار يكون الإحراق، فلا فرق بين هذا وهذا، ولكن العبد لما كان له إرادة وشعور واختيار وعمل صار الفعل ينسب إليه حقيقة وحكما وصار مؤاخذا بالمخالفة معاقبا عليها لأنه يفعل باختيار ويدع باختيار.