وكذلك يورد البعض هنا ما جاء «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء إلى علي وفاطمة رضي الله عنهما وهما نائمان لم يقوما لصلاة الليل، فكأنه لامهما، فقال علي: يا رسول الله، إن أنفسنا بيد الله. يعني كنا نائمين، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يضرب على فخذه ويقول:"وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» . فقال المحتجون بالقدر: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر على علي احتجاجه بالقدر.
وأجاب أهل العلم على ذلك، فأجاب عنها ابن القيم بأنهما لما يحتجا على الاستمرار في المعصية وإنما على أمر قد فرغ وانتهى، وفرق بين شخص يحتج بالقدر على أمر قد مضى وهو نادم عليه ويعزم ألا يعود إليه، وبين شخص يحتج بالقدر ليبرر استمراره على المعصية فالأول يقبل، والثاني لا يقبل.
وهذا وجه جيد أن الإنسان إذا أصاب معصية وندم واحتج بالقدر بعد ندمه وتوبته فلا بأس بذلك ولا حرج، وليس كذلك من يحتج بالقدر ليبرر خطأه ويستمر عليه، فهذا لا يقبل أبدا.
وإن قال قائل: ما الجمع بين إبطال الله احتجاج المشركين على شركهم بمشيئته، وما أثبته الله من أن شركهم وقع بمشيئته، فقد قال سبحانه:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} مع ما سبق قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} .
فالجمع أنهم يحتجون بالمشيئة لدفع اللوم والعتاب ويقولون: إن تعذيب الله لهم ظلم بزعمهم أنه قدره عليهم ثم يعاقبهم عليه. أما الآية الأخرى فهي تسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإعلام أن لله تعالى حكمة في وقوع الشرك من بني آدم، ولو شاء سبحانه لجعل الناس أمة واحدة على الحق لكن ليبلو بعض الناس ببعض.
ثم قال عليه الصلاة والسلام:«وشقي أم سعيد» . الشقاء هو الخيبة وعدم إدراك الآمال. والسعادة هي النجاة والفلاح وحصول الأمل، وهما في الدنيا والآخرة، فالشقي في الدنيا شقي في الآخرة، والسعيد في الدنيا سعيد في الآخرة، ولكن سعادة الدنيا ليست بكثرة المال، والولد، والمتاع، وإنما بالعمل الصالح، ودليل ذلك قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} فلا حياة طيبة إلا لمن عمل صالحا وهو مؤمن، سواء كان ذكرا أو أنثى.
وحياة المترفين ليست طيبة؛ لأن لديهم من التنغيص والنكد ما يتكدر به العيش، فتجده إذا فاتته ذرة من الترف انقبض وانزعج وأصيب بالضغط والبلاء، أما المؤمن فلو فاته هذا الشيء فهو مطمئن راض بقضاء الله وقدره، لا يهمه هذا الشيء ما دام من عند الله. ولهذا فالمؤمن بين أمرين إما شكر على نعمة، وإما صبر على ضراء، كما قال عليه الصلاة والسلام:«عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» .
وقال بعض السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا فيه بالسيوف ". وقد صدق والله، فالملوك وأبناء الملوك في ترف، لكن المؤمن وإن لم يكن في ترف فهو في نعيم قلب، فالإنسان تكتب سعادته