ومع ذلك فالنائم في حجرته على فراشه بعيدا عما رأى، فإذا كان هذا ممكنا في أحوال الدنيا، أفلا يكون ممكنا في أحوال الآخرة؟!
وأما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كشف عن الميت في قبره لوجد كما كان عليه، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق، فجوابه من وجوه منها:
الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمل المعارض بها ما جاء به الشرع حق التأمل لعلم بطلان هذه الشبهات وقد قيل:
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
الثاني: أن أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحس، ولو كانت تدرك بالحس لفاتت فائدة الإيمان بالغيب، ولتساوى المؤمنون بالغيب، والجاحدون في التصديق بها.
الثالث: أن العذاب والنعيم وسعة القبر وضيقه إنما يدركها الميت دون غيره، وهذا كما يرى النائم في منامه أنه في مكان ضيق موحش، أو في مكان واسع بهيج، وهو بالنسبة لغيره لم يتغير منامه هو في حجرته وبين فراشه وغطائه. ولقد كان النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يوحى إليه وهو بين أصحابه فيسمع الوحي، ولا يسمعه الصحابة، وربما يتمثل له الملك رجلا فيكلمه والصحابة لا يرون الملك، ولا يسمعونه.
الرابع: أن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله تعالى من إدراكه، ولا يمكن أن يدركوا كل موجود، فالسماوات السبع والأرض ومن فيهن