١. وبعد فإني قد نهيت إما مبتدئًا وإما مجيبًا عن التشبه بالكفار في أعيادهم، وأخبرت ببعض ما في ذلك من الأثر القديم والدلالة الشرعية، وبينت بعض حكمة الشرع في مجانبة هدي الكفار.. ثم بلغني أن من الناس من استغرب ذلك واستبعده لمخالفة عادة قد نشئوا عليها، وتمسكوا في ذلك بعمومات وإطلاقات اعتمدوا عليها، فاقتضاني بعض الأصحاب أن أعلق في ذلك ما يكون فيه إشارة إلى أصل هذه المسألة، لكثرة فائدتها وعموم المنفعة بها، ولما قد عم كثيرًا من الناس من الابتلاء في ذلك حتى صاروا في نوع جاهلية.
٢. ولم أكن أظن أن من خاض في الفقه ورأى إيماءات الشرع ومقاصده وعلل الفقهاء ومسائلهم يشك في ذلك، بل لم أكن أظن أن من وقر الإيمان في قلبه، وخلص إليه حقيقة الإسلام، وأنه دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه إذا نبه على هذه النكتة (يعني نكتة مخالفة هدي الكفار) إلا كانت حياة قلبه وصحة إيمانه توجب استيقاظه بأسرع تنبيه، ولكن نعوذ بالله من رين القلوب وهوى النفوس اللذين يصدان عن معرفة الحق واتباعه.
٥. وجماع ذلك أن كفر اليهود أصله من جهة عدم العمل بعلمهم، فهم يعلمون الحق ولا يتبعونه، وكفر النصارى من جهة عملهم بلا علم،