وطائفة ممن تكلم في التوحيد على طريقة أهل التصوف ظنوا أن توحيد الربوبية هو الغاية والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي والوعد والوعيد.
٤٦٣ - أولئك المبتدعون الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر، إذا حققوا القولين أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق بل يقولون بوحدة الوجود كما قاله أهل الإلحاد ... الذين يقول عرافهم: السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية أي نظرا إلى الأمر ثم يرى طاعة بلا معصية أي نظرا إلى القدر ثم لا طاعة ولا معصية أي نظرا إلى أن الوجود واحد ولا يفرق بين الواحد بالعين والواحد بالنوع فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود.. مع العلم الضروري أنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين وجود هذا الفرس.. لكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه قد يسمى كليا مطلقا وقدرا مشتركا ونحو ذلك.
٤٦٥ - والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصل ونفي مجمل فأثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات ومن خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية فجاؤوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، يقولون: ليس كذا ليس كذا ليس كذا، فإذا أرادوا إثباته قالوا: وجود مطلق بشرط النفي أو بشرط الإطلاق، وهم يقرون في منطقهم اليوناني أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج.