هذا الرجل الثالث وفي، ولو طلب منه المال في أي ساعة من ليل أو نهار أعطاه، وأنا أخشى إن بقي المال عندي أخشى عليه من عدوان أو سرقة أو غير ذلك فهنا إذا أقرضته، جائز لأن هذا هو الأحسن، إذًا يجب على ولي اليتيم المتولي لماله أن لا يتصرف إلا بالتي هي أحسن، ومن هنا نأخذ قاعدة، وهي أن كل ولي على كل شيء يجب عليه أن لا يتصرف إلا بما هو أحسن.
الإنسان لو تصرف بشيء لنفسه فهو حر، لكن إذا تصرف بشيء لغيره وجب أن يتبع الأحسن، ومن ذلك ما لو تقدم إلى ابنتك رجلان يخطبانها، أحدهما صاحب دين وخلق، والثاني دونه في الدين والخلق، فما الواجب عليك، أتزوج الأول أو الثاني؟ الواجب أن تزوج الأول لأن ذلك أحسن فإن صاحب الخلق والدين إن رضي البنت أمسكها بإحسان وإن فارقها فارقها بمعروف ومن هنا نأخذ أيضا أنه لا يجوز للأب أن يمنع تزويج ابنته برجل تريده، والأب لا يريده إذا كان صاحب خلق ودين لأن هذا خلاف الإحسان بالنسبة للتصرف في حق البنت، وكذلك أيضا إذا أعطاك شخص زكاته لتفرقها على مستحقيها، ووجدت فقيرا ووجدت شخصا آخر أشد منه فقرا فما الواجب عليك؟ الواجب أن تعطي الذي هو أشد فقرا لأن هذا أنفع لصاحب الزكاة وللمعطي أيضا. فكل من تصرف لغيره فالواجب عليه أن يتبع ما هو أحسن.
قوله:{حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} . المراد بالأشد الرشد؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا قال الله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}[سورة النساء، الآية: ٦] . فإذا بلغ اليتيم وكان يحسن التصرف في المال وجب علينا أن ندفع إليه المال، ولهذا قال:{فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} لأنه الآن ليس لأحد حق في الولاية عليه.