بهذا الوصف يا أيها الذين آمنوا يدل على أن بعده من مقتضيات الإيمان وأن كل مؤمن فلا بد أن يكون قائما بما يلقى إليه بعد هذا النداء بهذا الوصف العظيم ويدل دلالة أخرى على أن مخالفة ما يأتي بعده تكون نقصا في الإيمان وإلا لما علق الحكم بهذا الوصف ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه:
إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه وإن توجيه الخطاب إلينا بلفظ النداء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} دليل على أن هذا أمر ينبغي أن ننتبه له، لأن النداء من أدوات التنبيه {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} التقوى من أجمع ما قيل فيها وأحسنه ما روي عن طلق بن حبيب رحمه الله قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
وهذا أجمع ما قيل في التقوى وهذا التعريف يتضمن أن التقوى أن تعمل بطاعة الله على علم لا عن جهل، لأن الذي يعمل بطاعة الله عن جهل، قد يفسد أكثر مما يصلح، ولكن إذا كان على نور من الله على علم كان على بصيرة من أمره، ويتضمن هذا التعريف أن القائم بطاعة الله يقوم بها وهو مؤمن بالثواب الذي جعله الله تعالى على هذه الطاعة، ولهذا قال: ترجو ثواب الله. وهذا يتضمن الإيمان باليوم الآخر والجزاء على الأعمال، وأن تترك ما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
يعني تترك ما نهى الله عن علم بأن الله نهاك عن هذا الشيء لا عن عدم رغبة فيه أو عن جهل في هذا الأمر، لأنك إنما تتركه تخشى عقاب الله كثير منا يترك الربا يترك الزنا، يترك الفواحش، لكن ليس على باله أنه تركها لله فيفوته بذلك خير كثير. لكن إذا كان على باله أنه إنما تركها لله - عز وجل -