للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدليل العقلي على بطلان احتجاج العاصي بالقدر على معصية الله أن نقول له: ما الذي أعلمك بأن الله قدر لك أن تعصيه قبل أن تعصيه؟ فنحن جميعا لا نعلم ما قدر الله إلا بعد أن يقع؛ أما قبل أن يقع، فلا ندري ماذا يراد بنا؛ فنقول للعاصي: هل عندك علم قبل أن تمارس المعصية أن الله قدر لك المعصية؟ سيقول: لا. فنقول: إذا؛ لماذا لم تقدر أن الله قدر لك الطاعة وتطع الله؛ فالباب أمامك مفتوح، فلماذا لم تدخل من الباب الذي تراه مصلحة لك؛ لأنك لا تعلم ما قدر لك. واحتجاج الإنسان بحجة على أمر فعله قبل أن تتقدم حجته على فعله احتجاج باطل؛ لأن الحجة لا بد أن تكون طريقا يمشي به الإنسان؛ إذ أن الدليل يتقدم المدلول.

ونقول له أيضا: ألست لو ذكر لك أن لمكة طريقين أحدهما طريق معبد آمن، والثاني طريق صعب مخوف؛ ألست تسلك الآمن؟ سيقول: بلى. فنقول: إذا؛ لماذا تسلك في عبادتك الطريق المخوف المحفوف بالأخطار، وتدع الطريق الآمن الذي تكفل الله تعالى بالأمن لمن سلكه؛ فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام:٨٢] ، وهذه حجة واضحة.

ونقول له: لو أعلنت الحكومة عن وظيفتين: إحداهما بالمرتبة العالية، والثانية بالمرتبة السفلى؛ فأيهما تريد؟ بلا شك سيريد المرتبة العالية، وهذا يدل على أنك تأخذ بالأكمل في أمور دنياك؛ فلماذا لم تأخذ بالأكمل في أمور دينك؟ ! وهل هذا إلا تناقض منك؟ !

وبهذا يتبين أنه لا وجه أبدا لاحتجاج العاصي بالقدر على معصية الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>