قوله: تعبدون: العبادة هنا التذلل والخضوع؛ لأن في قومه من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الشمس والقمر والكواكب.
قوله:{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} : جمع بين النفي والإثبات؛ فالنفي:{بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} ، والإثبات:{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} ؛ فدل على أن التوحيد لا يتم إلا بالكفر بما سوى الله والإيمان بالله وحده، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة: ٢٥٦] ، وهؤلاء يعبدون الله ويعبدون غيره؛ لأنه قال:{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} ، والأصل في الاستثناء الاتصال إلا بدليل، ومع ذلك تبرأ منهم.
وكذا يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يصلي ويزكي ويصوم ويحج، ومع ذلك يذهبون إلى القبور يسجدون لها ويركعون؛ فهم كفار غير موحدين، ولا يقبل منهم أي عمل، وهذا من أخطر ما يكون على الشعوب الإسلامية؛ لأن الكفر بما سوى الله عندهم ليس بشيء، وهذا جهل منهم، وتفريط من علمائهم؛ لأن العامي لا يأخذ إلا من عالمه، لكن بعض الناس -والعياذ بالله- عالم دولة لا عالم ملة.
وفي قول إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} ، ولم يقل إلا الله فائدتان:
الأولى: الإشارة إلى علة إفراد الله وبالعبادة؛ لأنه كما أنه منفرد بالخلق؛ فيجب أن يفرد بالعبادة.
الثانية: الإشارة إلى بطلان عبادة الأصنام؛ لأنها لم تفطركم حتى تعبدوها؛ ففيها تعليل للتوحيد الجامع بين النفي والإثبات، وهذه من البلاغة التامة في تعبير إبراهيم عليه السلام.
يستفاد من الآية أن التوحيد لا يحصل بعبادة الله مع غيره، بل لا بد من