لأنه سبحانه هو الذي لا ينقضي ما عنده، {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}[النحل: ٩٦] ، والرزق هو العطاء كما قال الله تعالى:{فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} .
وقوله:{عِنْدَ اللَّهِ} : عند الله: حال من الرزق، وقدم الحال مع أن موضعها التأخير عن صاحبها لإفادة الحصر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر؛ أي: فابتغوا الرزق حال كونه عند الله لا عند غيره.
قوله: واعبدوه، أي: تذللوا بالطاعة؛ لأن العبادة مأخوذة من التعبيد، وهو التذليل، ومنه قولهم: طريق معبد؛ أي: مذلل للسالكين، قد أزيل عنه الأحجار والأشجار المؤذية؛ لأنكم إذا تذللتم له بالطاعة؛ فهو من أسباب الرزق، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: ٣، ٤] ؛ فأمر أن نطلب الرزق عنده، ثم أعقبه بقوله: واعبدوه إشارة إلى أن تحقيق العبادة من طلب الرزق؛ لأن العابد ما دام يؤمن أن من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ فعبادته تتضمن طلب الرزق بلسان الحال.
قوله:{وَاشْكُرُوا لَهُ} ، إذا أضاف الله الشكر له متعديا باللام؛ فهو إشارة إلى الإخلاص؛ أي: واشكروا نعمة الله لله؛ فاللام هنا لإفادة الإخلاص؛ لأن الشاكر قد يشكر الله لبقاء النعمة، وهذا لا بأس به، ولكن كونه شكر لله وتأتي إرادة بقاء النعمة تبعا هذا هو الأكمل والأفضل.
والشكر فسروه بأنه: القيام بطاعة المنعم، وقالوا: إنه يكون في ثلاثة مواضع:
١- في القلب، وهو أن يعترف بقلبه أن هذه النعمة من الله، فيرى لله فضلا عليه بها، قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣] ، وأعظم نعمة هي نعمة الإسلام، قال تعالى: