«فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله» .
ــ
واعلم أن أذية المنافقين للمسلمين ليست بالضرب أو القتل؛ لأنهم يتظاهرون بمحبة المسلمين، ولكن بالقول والتعريض كما صنعوا في قصة الإفك.
قوله: (فقال بعضهم) ، أي: الصحابة.
قوله:(نستغيث) ، أي: نطلب الغوث وهو إزالة الشدة.
قوله:(من هذا المنافق) ، إما بزجره، أو تعزيزه، أو بما يناسب المقام.
وفي الحديث إيجاز حذف دل عليه السياق؛ أي: فقاموا إلى رسول الله، فقالوا: يا رسول الله! إنا نستغيث بك من هذا المنافق.
قوله:«إنه لا يستغاث بي» ، ظاهر هذه الجملة النفي مطلقا، ويحتمل أن المراد: لا يستغاث به في هذه القضية المعينة.
فعلى الأول: يكون نفي الاستغاثة من باب سد الذرائع والتأدب في اللفظ، وليس من باب الحكم بالعموم؛ لأن نفي الاستغاثة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس على إطلاقه، بل تجوز الاستغاثة به فيما يقدر عليه.
أما إذا قلنا: إن النفي عائد إلى القضية المعنية التي استغاثوا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها؛ فإنه يكون على الحقيقة، أي: على النفي الحقيقي، أي: لا يستغاث بي في مثل هذه القضية؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعامل المنافقين معاملة المسلمين، ولا يمكنه حسب الحكم الظاهر للمنافقين أن ينتقم من هذا المنافق انتقاما ظاهرا؛ إذ إن المنافقين يستترون، وعلى هذا؛ فلا يستغاث للتخلص من المنافق إلا بالله.