الثاني: أنه هلاك الأجسام وعليه يكون الغلو سببا للهلاك؛ أي: إذا غلوا خرجوا عن طاعة الله فأهلكهم الله.
وهل الحصر في قوله:«فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» حقيقي أو إضافي؟
الجواب: إن قيل: إنه حقيقي؛ حصل إشكال، وهو أن هناك أحاديث أضاف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهلاك فيها إلى أعمال غير الغلو، مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد» ؛ فهنا حصران متقابلان، فإذا قلنا: إنه حقيقي بمعنى أنه لا هلاك إلا بهذا حقيقة؛ صار بين الحديثين تناقص.
وإن قيل: إن الحصر إضافي؛ أي: باعتبار عمل معين؛ فإنه لا يحصل تناقص بحيث يحمل كل منهما على جهة لا تعارض الحديث الآخر؛ لئلا يكون في حديثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تناقض، وحينئذ يكون إضافيا، فيقال: أهلك من كان قبلكم الغلو هذا الحصر باعتبار الغلو في التعبد في الحديث الأول، وفي الآخر يقال: أهلك من كان قبلكم باعتبار الحكم، فيهلك الناس إذا أقاموا الحد على الضعيف دون الشريف.
وفي هذا الحديث يحذر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته من الغلو، ويبرهن على أن الغلو سبب للهلاك؛ لأنه مخالف للشرع ولإهلاكه للأمم السابقة؛ فيستفاد منه تحريم الغلو من وجهين: