للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن نثبت لله صفة أو ننفي عنه صفة؛ حتى قالوا: لا يجوز أن نقول عنه: إنه موجود ولا إنه معدوم؛ لأننا قلنا موجود شبهناه بالموجودات، وإن قلنا بأنه معدوم شبهناه بالمعدومات؛ فنقول: لا موجود ولا معدوم؛ فكابروا المعقول، وكذبوا المنقول، وهذا لا يمكن؛ لأن تقابل الوجود والعدم من تقابل النقيضين اللذين لا يمكن ارتفاعهما ولا اجتماعهما، بل لا بد أن يوجد أحدهما، فوصف الله بذلك تشبيه له بالممتنعات على قاعدتهم.

ومذهبهم في القضاء والقدر: الجبر، فيقولون: إن الإنسان مجبر على عمله يعمل بدون اختياره إن صلى؛ فهو مجبر، وإن قتل فهو مجبر، وهكذا، فعطلوا بذلك حكمة الله لأنه إذا كان كل عامل مجبرا على عمله لم يكن هناك حكمة في الثواب والعقاب، بل بمجرد المشيئة يعاقب هذا ويثيب هذا، وبذلك عطلوا عن الفاعلين أوصاف المدح والذم، فلا يمكن أن تمدح إنسانا أو تذمه؛ لأن العاصي مجبر والمطيع مجبر.

ويقال لهم: إنكم إذا قلتم ذلك أثبتم أن الله أظلم الظالمين؛ لأنه كيف يعاقب العاصي وهو مجبر على المعصية؟ ويثيب الطائع وهو مجبر على طاعته؟ فيكون أعطى من لا يستحق؛ وعاقب من لا يستحق، وهذا ظلم.

فقالوا: هذا ليس بظلم؛ لأن الظلم تصرف المالك في غير ملكه، وهذا تصرف من المالك في ملكه يفعل به ما يشاء.

وأجيب: بأنه باطل؛ لأنه المالك إذا كان متصفا بصفات الكمال لن يخلف وعده، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: ١١٢] ، فلو أخلف هذا الوعد؛ لكان نقصا في حقه وظلما لخلقه، حيث وعدهم فأخلفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>