وقد شرحه كثير من أهل العلم، ومن أوسع شروحه وأحسنها في الرواية والدراية:(التمهيد) لابن عبد البر، وهذا - أعني (التمهيد) - فيه علم كثير.
قوله:(اللهم) ، أصلها: يا الله! فحذفت يا النداء لأجل البداءة باسم الله، وعوض عنها الميم الدالة على الجمع؛ فكأن الداعي جمع قلبه على الله، وكانت الميم في الآخر لأجل البداءة باسم الله.
قوله:«لا تجعل قبري وثنا يعبد» ، لا: للدعاء؛ لأنها طلب من الله، وتجعل: تصير، والمفعول الأول لها:(قبري) ، والثاني:(وثنا) .
وقوله:(يعبد) ، صفة لوثن، وهي صفة كاشفة؛ لأنه الوثن هو الذي يعبد من دون الله.
وإنما سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك؛ لأن من كان قبلنا جعلوا قبور أنبيائهم مساجد وعبدوا صالحيهم، فسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد؛ لأن دعوته كلها بالتوحيد ومحاربة الشرك.
قوله:(اشتد) ، أي: عظم.
قوله:(غضب الله) ، صفة حقيقية ثابتة لله - عز وجل - لا تماثل غضب المخلوق لا في الحقيقة ولا في الأثر. وقال أهل التأويل: غضب الله هو الانتقام ممن عصاه، وبعضهم يقول: إرادة الانتقام ممن عصاه.
وهذا تحريف للكلام عن مواضعه؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل: انتقم الله، وإنما قال: اشتد غضب الله، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف كيف يعبر، ويعرف الفرق بين غضب الله وبين الانتقام، وهو أنصح الخلق وأعلم الخلق بربه، فلا يمكن أن يأتي بكلام وهو يريد خلافه؛ لأنه لو أتى بذلك لكان ملبسا، وحاشاه أن يكون