للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسليم، وأخذ الأمور على ظاهر معناها، دون أن يتعمق، أو يحاول القياس بينها وبين الأمور في الدنيا؛ فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى، وتشاركها في ذلك، لكن بينهما فرق عظيم، وأضرب لك مثلا، بما ذكره الله - سبحانه وتعالى - في الجنة من النخل، والرمان، والفاكهة، ولحم الطير، والعسل والماء، واللبن، والخمر، وما أشبه ذلك مع قوله - عز وجل -: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

وقوله في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» ، فهذه الأسماء التي لها مسميات بها في هذه الدنيا لا تعني أن المسمى كالمسمى، وإن اشتركا في الاسم وفي أصل المعنى، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة، وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى، وألا يحاول شيئا وراء ذلك.

ولهذا لما سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن قول الله تعالى -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟

أطرق - رحمه الله- برأسه حتى علاه الرحضاء - أي العرق -وصار يتصبب عرقا، وذلك لعظم السؤال في نفسه، ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة، التي كانت ميزانا لجميع ما وصف الله به نفسه - رحمه الله -: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة " اهـ.

فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة؛ لأن الصحابة - رضي الله

<<  <  ج: ص:  >  >>