لأنه لم يعطل إلا لهذا السبب، فيكون ما فهم من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفرا أو ضلالا.
الرابع: أن فيها طعنا في الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفائه الراشدين؛ لأننا نقول: هذه المعاني التي صرفتم النصوص إليها هل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاؤه يعلمون بها أم لا؟
فإن قالوا: لا يعلمون، فقد اتهموهم بالقصور، وإن قالوا: يعلمون ولم يبينوها، فقد اتهموهم بالتقصير.
فلا تستوحش من نص دل على صفة أن تثبتها. لكن يجب عليك أن تجتنب أمرين هما:
التمثيل والتكييف، لقوله تعالى:{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ}[النحل: ٧٤] ، وقوله:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦] ، فإذا أثبت الله لنفسه وجها أو يدين، فلا تستوحش من إثبات ذلك؛ لأن الذي أخبر به عن نفسه أعلم بنفسه من غيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا، وهو يريد لخلقه الهداية، وإذا أثبت رسوله ذلك له، فلا تستوحش من إثباته؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصدق الخلق، وأعلمهم بما يقول عن الله، وأبلغهم نطقا وفصاحة، وأنصح الخلق للخلق.
فمن أنكر صفة أثبتها الله لنفسه أو أثبتها له رسوله، وقال: هذا تقشعر منه الجلود وتنكره القلوب، فيقال: هذا لا ينكره إلا إنسان في قلبه مرض، أما الذين آمنوا فلا تنكره قلوبهم، بل تؤمن به وتطمئن إليه، ونحن لم نكلف إلا بما بلغنا، والله يريد لعباده البيان والهدى، قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[النساء: ٢٦] ، فهو لا يريد أن يعمي عليهم الأمر، فيقول: إنه يغضب وهو لا يغضب، ويقول: إنه يهرول وهو لا يهرول، هذا خلاف البيان.