درعين اثنين، ولما خرج مهاجرا أخذ من يدله الطريق، ولم يقل: سأذهب مهاجرا وأتوكل على الله، ولن أصطحب معي من يدلني الطريق، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتقي الحر والبرد، ولم ينقص ذلك من توكله.
ويذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قدم ناس من أهل اليمن إلى الحج بلا زاد، فجيء بهم إلى عمر، فسألهم فقالوا: نحن المتوكلون على الله. فقال: لستم المتوكلين، بل أنتم المتواكلون.
والتوكل نصف الدين، ولهذا نقول في صلاتنا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٥] ، فنطلب من الله العون اعتمادا عليه سبحانه بأنه سيعيننا على عبادته.
وقال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[هود: ١٢٣] ، وقال تعالى:{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود: ٨٨] ، ولا يمكن تحقيق العبادة إلا بالتوكل؛ لأن الإنسان لو وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز، ولم يتمكن من القيام بالعبادة، فهو حين يعبد الله يشعر أنه متوكل على الله، فينال بذلك أجر العبادة وأجر التوكل، ولكن الغالب عندنا ضعف التوكل، وأننا لا نشعر حين نقوم بالعبادة أو العادة بالتوكل على الله والاعتماد عليه في أن ننال هذا الفعل، بل نعتمد في الغالب على الأسباب الظاهرة وننسى ما وراء ذلك فيفوتنا ثواب عظيم، وهو ثواب التوكل، كما أننا لا نوفق إلى حصول المقصود كما هو الغالب، سواء حصل لنا عوارض توجب انقطاعها أو عوارض توجب نقصها.