للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والترف وهو مقيم على معصيته يظن أنه رابح وهو في الحقيقة خاسر.

فإذا أنعم الله عليك من كل ناحية: أطعمك من جوع، وآمنك من خوف، وكساك من عري، فلا تظن أنك رابح وأنت مقيم على معصية الله، بل أنت خاسر؛ لأن هذا من مكر الله بك.

قوله: {إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} . الاستثناء للحصر، وذلك لأن ما قبله مفرغ له، فالقوم فاعل، والخاسرون صفتهم.

وفي قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} دليل على أن لله مكرا، والمكر هو التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، ومنه ما جاء في الحديث: «الحرب خدعة» .

فإن قيل: كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟

قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر، وإنما تذكر هذه الصفة في مقام تكون فيه مدحا، مثل قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: ٣٠] ، وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: ٥٠] ، ومثل قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف: ٩٩] ، ولا تنفي عنه هذه الصفة على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام التي تكون مدحا يوصف بها، وفي المقام التي لا تكون مدحا لا يوصف بها.

وكذلك لا يسمى الله بها، فلا يقال: إن من أسماء الله الماكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>