ولقوله في الحديث:«أقلب الليل والنهار» ، والليل والنهار هما الدهر.
ولا يقال بأن الله هو الدهر نفسه، ومن قال ذلك، فقد جعل الخالق مخلوقا، والمقلب بكسر اللام مقلبا بفتح اللام.
فإن قيل: أليس المجاز ممنوعا في كلام الله وكلام رسوله وفي اللغة؟
أجيب: إن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وهنا في الكلام المحذوف تقديره: وأنا مقلب الدهر؛ لأنه فسره بقوله:«أقلب الليل والنهار» ، والليل والنهار هما الدهر، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الخالق الفاعل هو المخلوق المفعول، المقلب هو المقلب، وبهذا عرف خطأ من قال: إن الدهر من أسماء الله، كابن حزم رحمه الله؛ فإنه قال:(إن الدهر من أسماء الله) ، وهذا غفلة عن مدلول هذا الحديث، وغفلة عن الأصل في أسماء الله، فأما مدلول الحديث فإن السابين للدهر لم يريدوا سب الله، وإنما أرادوا سب الزمن؛ فالدهر هو الزمن في مرادهم، وأما الأصل في أسماء الله أن تكون حسنى؛ أي: بالغة في الحسن أكمله، فلا بد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا تجد في أسماء الله تعالى اسما جامدا أبدا؛ لأن الاسم الجامد ليس فيه معنى أحسن أو غير أحسن، لكن أسماء الله كلها حسنى؛ فيلزم من ذلك أن تكون دالة على معان، والدهر اسم من أسماء الزمن ليس فيه معنى إلا أنه اسم زمن، وعلى هذا فينتفي أن يكون اسما لله تعالى لوجهين: