والقضاء الكوني لا بد من وقوعه، ويكون فيما أحب الله وفيما كرهه، قال تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}[الإسراء: ٤] ؛ فهذا قضاء كوني متعلق بما يكرهه الله؛ لأن الفساد في الأرض لا يحبه الله، والله لا يحب المفسدين، وهذا القضاء الكوني لا بد أن يقع ولا معارض له إطلاقا.
وأما النوع الثاني من القضاء، وهو القضاء الشرعي؛ فمثل قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: ٢٣] ، والقضاء الشرعي لا يلزم منه وقوع المقضي، فقد يقع وقد لا يقع، ولكنه يتعلق فيما يحبه الله، وقد سبق الكلام عن ذلك.
فإن قلت: إذا أضفنا القضاة وحصرناها بطائفة معينة، أو ببلد معين، أو بزمان معين، مثل أن يقال: قاضي القضاة في الفقه، أو قاضي قضاة المملكة العربية السعودية، أو قاضي قضاة مصر أو الشام، أو ما أشبه ذلك؛ فهل يجوز هذا؟
فالجواب: أن هذا جائز؛ لأنه مقيد، ومعلوم أن قضاء الله لا يتقيد، فحينئذ لا يكون فيه مشاركة لله عز وجل، على أنه لا ينبغي أيضا أن يتسمى الإنسان بذلك أو يسمى به وإن كان جائزا؛ لأن النفس قد تصعب السيطرة عليها فيما إذا شعر الإنسان بأنه موصوف بقاضي قضاة الناحية الفلانية، فقد يأخذه الإعجاب بالنفس والغرور حتى لا يقبل الحق إذا خالف قوله، وهذه مسألة عظيمة لها خطرها إذا وصلت بالإنسان إلى الإعجاب بالرأي بحيث يرى أن رأيه مفروض على من سواه، فإن هذا خطر عظيم، فمع القول بأن ذلك جائز لا ينبغي أن يقبله اسما لنفسه أو وصفا له، ولا أن يتسمى به.
فإذا قيد بزمان أو مكان ونحوهما؛ قلنا: إنه جائز، ولكن الأفضل ألا