الحال الثالثة: أن يكون بيننا وبينهم عهد نخاف خيانتهم فيه؛ فهنا يجب أن ننبذ إليهم العهد ونخبرهم أنه لا عهد بيننا وبينهم؛ لقوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال:٥٨] .
قوله:(ولا تمثلوا) . التمثيل: التشويه بقطع بعض الأعضاء، كالأنف واللسان وغيرهما، وذلك عند أسرهم؛ لأنه لا حاجة إليه؛ لأنه انتقام في غير محله، واختلف العلماء فيما لو كانوا يفعلون بنا ذلك:
فقيل: لا يمثل بهم للعموم، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يستثن شيئا؛ ولأننا إذا مثلنا بواحد منهم فقد يكون لا يرضى بما فعله قومه، فكيف نمثل به؟! .
وقيل: نمثل بهم كما مثلوا بنا؛ لأن هذا العموم مقابل بعموم آخر، وهو قوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة:١٩٤] .
وإذا لم نمثل بهم مع أنهم يمثلون بنا، فقد يفسر هذا بأنه ضعف، وإذا مثلنا بهم في مثل هذه الحال؛ عرفوا أن عندنا قوة ولم يعودوا للتمثيل بنا ثانية.
والظاهر القول الثاني.
فإن قيل: قد نمثل بواحد لم يمثل بنا ولا يرضى بالتمثيل؟.
فيقال: إن الأمة الواحدة فعل الواحد منها كفعل الجميع، ولهذا كان الله - عز وجل - يخاطب اليهود في عهد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأمور جرت في عهد موسى، قال تعالى:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}[البقرة: ٧٢] ، وقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ}[البقرة:٩٣] ، وما أشبه ذلك.