«فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أجابوك؛ فاقبل منهم وكف عنهم.»
ــ
قوله:(فإن هم أبوا) . (هم) عند البصريين: توكيد للفاعل المحذوف مع فعل الشرط، والتقدير: فإن أبوا هم، وعند الكوفيين: مبتدأ خبره الجملة بعده.
والقاعدة عندنا إذا اختلف النحويون في مسألة: أن نتبع الأسهل، والأسهل هنا إعراب الكوفيين.
قوله:(فاسألهم الجزية) . سؤال عطاء لا سؤال استفهام، والفرق بين سؤال الاستفهام وسؤال العطاء: أن سؤال الاستفهام يتعدى إلى المفعول الثاني بـ (عن) ، قال الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[النازعات: ٤٢] . وقد يكون المفعول الثاني جملة استفهامية، كقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ}[المائدة:٤] .
وأما سؤال الإعطاء؛ فيتعدى إليه بنفسه، كقولك: سألت زيدا كتابا.
والجزية: فعلة من جزى يجزي، وظاهر فيها أنها مكافأة على شيء، وهي عبارة عن مال مدفوع من غير المسلم عوضا عن حمايته وإقامته بدارنا.
والذمي معصوم ماله ودمه وذريته مقابل الجزية، قال تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] ، أي: يسلموها بأيديهم، لا يقبل أن يرسل بها خادمه أو ابنه، بل لا بد أن يأتي بها هو.
وقيل:{عَنْ يَدٍ} : عن قوة منكم، والصحيح أنها شاملة للمعنيين.
وقيل:{عَنْ يَدٍ} : أن يعطيك إياه فتأخذها بقوة بأن تجر يده حتى يتبين له قوتك، وهذا لا حاجة إليه.
وقوله:{وَهُمْ صَاغِرُونَ} أي: يجب أن يتصفوا بالذل والهوان عند