قوله:(ولكن أنزلهم على حكمك) . فإذا أرادوا أن ينزلوا على حكم الله فإنهم لا يجابون، فإننا لا ندري أنصيب فيهم حكم الله أم لا؟ .
ولهذا قال:(أنزلهم على حكمك) ، ولم يقل: وحكم أصحابك كما قال في الذمة؛ لأن الحكم في الجيش أو السرية للأمير، وأما الذمة والعهد فهي من الجميع، فلا يحل لواحد من الجيش أن ينقض العهد.
وقوله:(لا تدري) . أي: لا تعلم (أتصيب فيهم حكم الله أم لا) ، وذلك لأن الإنسان قد يخطئ حكم الله تعالى.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:
فقيل: إن أهل الحصن لا ينزلون على حكم الله، لأن قائد الجيش وإن اجتهد فإنه لا يدري أيصيب فيهم حكم الله أم لا؟ فليس كل مجتهد مصيبا.
وقيل: بل ينزلون على حكم الله، والنهي عن ذلك خاص في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط؛ لأنه العهد الذي يمكن أن يتغير فيه الحكم؛ إذ من الجائز بعد مضي هذا الجيش أن يغير الله هذا الحكم، وإذا كان كذلك؛ فلا تنزلهم على حكم الله، لأنك لا تدري أتصيب الحكم الجديد أو لا تصيبه؟ .
أما بعد انقطاع الوحي؛ فينزلون على حكم الله، واجتهادنا في إصابة حكم الله يعتبر صوابا إذا لم يتبين خطؤه، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦] ، وهذا أصح؛ لأنه يحكم للمجتهد بإصابته الحكم ظاهرا شرعا وإن كان قد يخطئ، وإن حصل الاحتراز بأن يقول: ننزلك على ما نفهم من حكم الله ورسوله، فهو أولى،