ولحديث عبد الله بن عكيم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلينا قبل أن يموت بشهر أو شهرين " أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". وقالوا: هذا الحديث ناسخ لحديث ميمونة - رضي الله عنها - الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بشاة يجرونها، فقال:" هلا أخذتم إهابها؟ " قالوا: إنها ميتة، قال:" يطهرها الماء والقرض ". رواه مسلم.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن جلد الميتة يطهر بالدباغ، واستدلوا بحديث ميمونة المتقدم، وهو حديث صحيح صريح في أن الجلد يطهر بالدبغ، وأجابوا عن دعوى النسخ بأجوبة منها:
أولاً: أن حديث عبد الله بن عكيم ضعيف، فلا يمكن أن يقابل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم.
ثانياً: أن من شروط القول بالنسخ، العلم بالتاريخ، ونحن لا ندري هل قضية الشاة في حديث ميمونة - رضي الله عنها - قبل أن يموت بشهر أو بأقل، أو أكثر، فلا يتحقق النسخ.
ثالثاً: أنه لو ثبت أن حديث عبد الله متأخر، فهو لا يعارض حديث ميمونة، لأن قوله:" لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". يحمل على الإهاب قبل الدبغ، وبهذا يجمع بينه وبين حديث ميمونة ويتبين أن ادعاء النسخ لا يصح، فيبقى حديث ميمونة محكماً لا نسخ فيه.
فإن قال قائل: كيف يقال إن كبد الميتة لو دبغت ما طهرت، والجلد لو دبغ لطهر، ولكنها أجزاء ميتة، ونحن نعرف أن الشريعة الحكيمة لا يمكن أن تفرق بين متماثلين؟
قلنا: الجواب على هذا من وجهين:
الأول: أنه متى ثبت الفرق في الكتاب والسنة بين شيئين مشابهين، فاعلم أن هناك فرقاً في المعنى، ولكنك لم تتوصل إليه، لأن إحاطتك